إلى أين تتجه المناوشات.. ما خيارات إسرائيل في الرد على
“الحوثي”؟
ما بين مداهمات جماعة “الحوثي” لمنازل المدنيين بدعاوى “الخيانة والاشتباه”، واحتمالات الموت تحت غارات إسرائيلية مباغتة، يعيش اليمنيون في صنعاء فصلاً جديداً من الخوف والرعب، حيث لم يعد الأمان حاضراً لا في الليل ولا في النهار.
“ما إن يحل الليل وأخلد إلى الفراش، يطرق رأسي سؤال مرعب: هل ستكون هذه آخر ليلة لي في الحياة؟”، يقول أحمد “اسم مستعار” البالغ من العمر 25 عاماً ويسكن في حي السنينة، ملخصاً بذلك حال ملايين المدنيين الذين باتت حياتهم معلقة بين هاجس القصف ورعب المداهمات.
ومع كل تصعيد جديد بين جماعة “الحوثي” وإسرائيل، يتحول القلق من شبح بعيد إلى كابوس ملموس، إذ يصف أحمد لـ”الحل نت” شوارع صنعاء بأنها “مليئة بوجوه شاحبة تخفي خوفاً مكتوماً”، بينما يزداد الذعر مع تواجد قيادات “حوثية” وسط الأحياء السكنية، الأمر الذي يجعل المدنيين في قلب الاستهداف المحتمل.
بين هجمات “الحوثي” والرد الإسرائيلي
قبل عدة أيام، شهد مطار رامون في النقب جنوبي إسرائيل ضربة مباشرة بطائرة مسيرة أطلقتها جماعة “الحوثي” من اليمن، ما أدى إلى إصابة شخصين وإحداث حالة من الذعر، رغم إعلان الجيش الإسرائيلي اعتراض ثلاث مسيرات أخرى في الأجواء.
ومنذ اغتيال رئيس حكومة “الحوثيين” غير المعترف بها، أحمد غالب الرهوي وعدد من وزرائه بصنعاء في 28 آب / أغسطس الماضي، كثفت الجماعة هجماتها تجاه إسرائيل، بإطلاق ثمانية صواريخ باليستية وسبع مسيرات خلال أقل من أسبوعين.
الخبير بالشأن الإسرائيلي، المصري أحمد الديب، يرى أن تل أبيب تدرك طبيعة المأزق في التعامل مع جماعة “الحوثي”، إذ أنها ليست أولوية عسكرية مباشرة مثل غزة أو “حزب الله” في لبنان، لكن تجاهلها لم يعد ممكناً، خصوصاً بعد ضرب مطار رامون.
وفي تصريح خاص لـ”الحل نت”، يؤكد الديب أن إسرائيل باتت تضع جماعة “الحوثي” في خانة التهديدات الاستراتيجية المرتبطة بإيران، مشيراً إلى وجود ضغوط أميركية وأوروبية لاحتواء التصعيد حتى لا يتوسع الصراع أكثر.
ويضيف الديب أن إسرائيل قد تذهب نحو استراتيجية “الردع المتدرج”، من خلال ضربات نوعية محدودة ضد أهداف “حوثية”، أو استخدام الاغتيالات ضد قيادات الصف الأول، كما حدث في صنعاء أواخر آب/ أغسطس الماضي.
قلق إسرائيلي من قدرات “الحوثي”
من جانب آخر، يوضح الخبير العسكري علي الذهب، في تصريح خاص لـ”الحل نت”، أن ما يقلق إسرائيل فعلاً هو امتلاك جماعة “الحوثي” لصواريخ باليستية ومسيرات قد تتطور تقنياً بفعل الدعم الإيراني.
لكنه في الوقت نفسه، يؤكد أن جماعة “الحوثي” ما تزال تفتقر إلى القدرات التكنولوجية المتطورة مثل الصواريخ الفرط صوتية أو الانشطارية التي تملكها إيران، ما يجعل تأثير هجماتها محدوداً مقارنة بما حدث لإسرائيل خلال حرب الـ12 يوماً.
ويشير الخبير اليمني إلى أن إسرائيل لن تخوض حرباً برية في اليمن، لكن الخطر يكمن في أن “استمرار هجمات الحوثيين قد يحول الجماعة إلى ورقة محترقة دوليا”، ما قد يفتح الباب أمام تحالف واسع لمواجهتها، مع احتمال اعتماد إسرائيل بشكل أكبر على أسلوب الاغتيالات.
ويعيش السكان في صنعاء حالة قلق دائم بسبب احتمالات استهداف إسرائيل لمواقع “حوثية” داخل الأحياء المكتظة بالمدنيين، حيث تحرص الكثير من قيادات الجماعة على استئجار شقق سكنية داخل الأحياء بغرض التمويه.
كما تزداد معاناة المدنيين مع استهداف إسرائيل للبنى التحتية مثل خزانات الوقود والكهرباء، وهو ما يهدد حياة الناس ويزيد من أزماتهم المتراكمة.
اليمن بين إيران وإسرائيل
وبينما تستعرض إيران قدرتها على تحريك جماعة “الحوثي” كورقة ضغط، تسعى إسرائيل لإظهار نفسها في موقع الضحية المهددة من عدة جهات.
في هذا السياق، يشير المحلل السياسي حسام ردمان في مقال على فيسبوك إلى أن جماعة “الحوثي” أداة في يد إيران، تستخدمها في لعبة إقليمية تشمل غزة ولبنان.
ومثلما تتقن إيران التعطيل، فإن إسرائيل لن تفوت فرصة تسميم الأجواء، لتبادر إلى نقلة عسكرية لتفجير المنطقة، حيث لم تكتفِ باستهداف المحور المعادي لها، بل قررت ابتزاز الموقف العربي، من خلال استهداف الدوحة”، يقول حسام ردمان.
وفي الشأن ذاته، يرى الكاتب الصحفي خالد سلمان أن استمرار جماعة “الحوثي” في مهاجمة إسرائيل تحت شعار “نصرة فلسطين” لا يعدو كونه غطاء لخدمة أجندة إيران بالمنطقة، على حساب الشعب اليمني الذي يدفع الثمن باهظاً من دمه واقتصاده.
خيارات متشابكة أمام إسرائيل
وكانت جماعة “الحوثي” قد استأنفت عملياتها العسكرية ضد إسرائيل، بهجوم صاروخي استهدف مدينة بئر السبع، تلاه سلسلة هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة، بعد أيام فقط من المواجهة بين إيران وإسرائيل.
ووفق تحليل لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية فإن جماعة “الحوثي” تؤكد دوماً قدرتها على الصمود وإعادة البناء، رغم تدمير إسرائيل للبنية التحتية والموانئ اليمنية عدة مرات، وهو ما يعكس رغبتها في إثبات حضورها الإقليمي وولائها لإيران.
وبحسب دراسة صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب (INSS)، فإن هجمات جماعة “الحوثي” لا تهدف بالضرورة إلى إلحاق أضرار استراتيجية مباشرة، بقدر ما تسعى إلى زرع الخوف والضغط النفسي داخل إسرائيل.
وأشارت الدراسة إلى أن الهجمات “الحوثية”، دفعت ملايين الإسرائيليين للدخول إلى الملاجئ تحت وقع صفارات الإنذار، وهو ما يصفه التقرير بـ”القصف النفسي” أكثر من كونه عسكرياً.
وفي الوقت نفسه، تؤكد الدراسة أن محاولات الردع الإسرائيلي لم تثنِ جماعة “الحوثي” حتى الآن عن مواصلة الهجمات، ما يوضح محدودية خيارات إسرائيل التقليدية.
وتظهر جماعة “الحوثي” كطرف مستفيد من الضربات الإسرائيلية لتعزيز شرعيتها المحلية، وفي الوقت نفسه لفرض واقع نفسي على إسرائيل قد يضطر تل أبيب إلى موازنة الردود بين الضغط العسكري والاعتبارات السياسية الاستراتيجية.
الضغط الدولي والتحالفات الإقليمية
تميل التقديرات الغربية إلى أن إسرائيل لن تكون في واجهة أي تحالف عسكري ضد جماعة “الحوثي”، لكن دورها سيظل حاضراً عبر الدعم الاستخباراتي والضربات النوعية.
ويرى مراقبون أن أي تحرك ضد جماعة “الحوثي” سيكون جزءاً من تحالف دولي بقيادة أميركا، لا سيما إذا استمرت الجماعة في تهديد الملاحة الدولية وضرب العمق الإسرائيلي.
وتنسجم هذه التقديرات مع ما ذهب إليه الخبير علي الذهب، الذي قال إن “إسرائيل ستظل تفضل العمل من الظل، عبر الاغتيالات وتبادل المعلومات مع حلفائها، بدلاً من الظهور كقوة تقاتل اليمنيين مباشرة”.
الشعب اليمني يدفع الثمن
وخلاصة القول، فإن جماعة “الحوثي”، ومن خلفها إيران، تحاول فرض نفسها كلاعب رئيسي في الإقليم يهدد أمن إسرائيل والملاحة الدولية على حد سواء، لكن الواقع يقول إن قدراتها ما تزال محدودة، وأن اليمنيون وحدهم من يدفع الثمن الأكبر، خصوصاً وأن البلاد تعيش حالة حرب منذ أكثر من عقد بسبب الانقلاب على الدولة.
وبحسب مراقبين فإن أمام إسرائيل اليوم خيارات متعددة لإنهاء الخطر “الحوثي”، مؤكدين أنها لن تسمح بأن تتحول اليمن إلى منصة مفتوحة لإيران لضرب عمقها الجغرافي.
وفي كل الأحوال، تبقى المناوشات مرشحة للتصعيد أكثر فأكثر، لكن مسارها النهائي سٌيرسم وفق حجم الأثمان التي ستدفعها الأطراف الإقليمية، وعلى رأسها جماعة “الحوثي” التي جعلت من اليمن ساحة مفتوحة لصراع الآخرين.
https://7al.net/2025/09/10/%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a3%d9%8a%d9%86-%d8%aa%d8%aa%d8%ac%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7%d9%88%d8%b4%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d8%a7-%d8%ae%d9%8a%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a5%d8%b3%d8%b1%d8%a7%d8%a6/osamaa/%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%85%d9%86/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق