قال سيرجي كونياشين، نائب القنصل العام الروسي السابق في صنعاء، للفترة (2010-2013)، على موقع شبكة NTD) New Tang Dynasty)، في 9 أغسطس 2025، إن الفضيحة المستمرة منذ أبريل 2025، والمتعلقة بشركة الأقمار الصناعية الصينية CGSTL تُثير عدة تساؤلاتٍ بشأن تورط الصين في حرب البحر الأحمر. تدعي واشنطن أن الشركة زودت الحوثيين بصور أقمار صناعية ساعدتهم في توجيه هجمات صاروخية وطائرات مُسيّرة على السفن الأمريكية وحلفائها. في الواقع، يتزايد قلق كثير من المحللين من تحوّل بكين تدريجيًا إلى راعٍ رئيسي للمتمردين اليمنيين.
إن ثمة اعتقاد سائد بأن إيران هي المصدر الأساسي لدعم الحوثيين، وتليها روسيا بدرجة أقل، لذلك، قد يكون إدراج الصين إلى قائمة الدعم تطورًا مفاجئًا للكثيرين. في الواقع، فضلت بكين، لفترة طويلة، عدم الانخراط المباشر في الصراع اليمني، مُعلنةً الحياد والمطالبة بحل سلمي فقط. ولكن بدأت الصين، في السنوات الأخيرة، في تقديم دعم كبير للحوثيين، مما عزز قدراتهم العسكرية إلى حد كبير، ومن هنا باتت الصين فعليًا على سماط واحد مع إيران وروسيا في دعم المتمردين اليمنيين. تكمن أسباب هذا التغيير أساسًا في مصالح بكين واستراتيجياتها في المنطقة، ومواجهتها العالمية مع الولايات المتحدة.
رسميًا، تعترف الصين بالحكومة اليمنية، وتصوّت دائمًا لصالح قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الداعمة لوحدة أراضي البلاد، لكن خلف الكواليس، يرتبط الصينيون بعلاقات وثيقة مع قادة “الإرهاب” اليمني.
أرجع كونياشين تفسير ذلك إلى أن الصين تتبع أساسًا النهج البراغماتي، وقال إن الصين تسعى -باعتبارها قوة تستورد كميات كبيرة من النفط من الشرق الأوسط -إلى ضمان سلامة سفنها التجارية المارة عبر البحر الأحمر. وفقًا لتقرير صادر عن المجلس الأطلسي، أجرت قيادة الحوثيين عام 2023، اتصالات مباشرة مع مسؤولين صينيين في عُمان، واتُفق بعدها على ترتيبات أمنية للسفن التي ترفع العلم الصيني. في الواقع، منذ نهاية العام 2023، عندما بدأ الحوثيون مهاجمة السفن الأجنبية على نطاق واسع، مطالبين إنهاء الحرب في غزة، عبرت جميع السفن الصينية وأطقمها “الممر المائي الخطير دون أي معوقات تذكر”.
نتيجةً لذلك، ارتفعت حصة الصين بينما انخفض عدد السفن التجارية العابرة للبحر الأحمر بأكثر من 70%. لاحظ كثير من المراقبين الدوليين على الفور أن هذا التطور يبدو انتقائيًا للغاية، على نحو لا يمكن اعتباره مصادفة.
مع ذلك، لا تقتصر علاقات الصين مع الحوثيين على الاتفاق البحري. ثمة ما يدعو للاعتقاد بأن بكين تسعى جاهدة لزيادة مساعداتها العسكرية والتكنولوجية للمتمردين اليمنيين، ومن بينها الأسلحة، والإلكترونيات، والبرمجيات، وحتى تبادل المعلومات الاستخباراتية.
في أبريل 2025، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على الشركة الصينية Chang Guang Satellite Technologie Co (CGSTL)، التابعة للأكاديمية الصينية للعلوم، لمساعدتها جماعة الحوثيين اليمنيين سرًا. وفقًا لواشنطن، زوّدت الشركة الحوثيين بصور أقمار صناعية مكنتهم من تنفيذ هجمات دقيقة على السفن الأمريكية وحلفائها في البحر الأحمر. صرحت وزارة الخارجية الأمريكية صراحةً بأن “شركة CGSTL تدعم بشكل مباشر هجمات الحوثيين، الموالين لإيران، على المصالح الأمريكية”، وأعربت عن احتجاجها لدى بكين لعدم وقف أنشطة “شريكها” في الشرق الأوسط. كما هو متوقع، أنكرت الصين جميع الاتهامات، مدعية عدم ارتباطها بعلاقات وثيقة مع الحوثيين.
في الوقت نفسه، تزعم المخابرات الأمريكية امتلاكها أدلة دامغة على وجود شبكات كاملة من الشركات الصينية التي تزوّد الحوثيين بمعدات عسكرية حيوية. على سبيل المثال، فرضت الولايات المتحدة، في أكتوبر 2024، عقوبات على مصنعين صينيين آخرين: شركة Shenzhen Rion Technology وشركة Shenzhen Jinghon Electronics، اللتين ثبت تورطهما في تزويد الحوثيين بمئات المكونات المخصصة لأنظمة توجيه الصواريخ والطائرات المسيّرة. في يونيو 2024، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية عددًا من الشركات الصينية والعمانية في القائمة السوداء، لأنها ساعدت الحوثيين في شراء منتجات ومعدات عسكرية لإنتاج الأسلحة.
من بين الشركات الصينية المصنفة في هذه القضية شركة Guangzhou Tasneem Trading Company، التي جرى من خلالها شراء الأسلحة ونقلها إلى اليمن. وورَّدت شركة .Ningbo Beilun Saige Machine Co، مواد للطائرات المسيّرة وأسلحة أخرى؛ كما زودت شركة .Dongguan Yuze Machining Tools Co، جماعة الحوثيين آلات وأدوات لازمة لإنتاج الأسلحة محليًا.
تؤكد التحقيقات المستقلة تنامي “البصمة الصينية” في أسلحة الحوثيين. عام 2023، ذكر مركز أبحاث تسليح الصراعات أنه عُثر في شظايا طائرات مسيّرة حوثية استُخدمت في هجمات بالبحر الأحمر، على أجزاء خلايا وقود هيدروجينية صينية الصنع. وفي 25 مارس 2025، جرى اعتراض حوالي 800 مروحة طائرة مسيّرة عليها رموز صينية على الحدود اليمنية العمانية. تجدر الإشارة إلى أنها كانت مطابقة تمامًا للتي يستخدمها الحوثيون، والميليشيات الموالية لإيران في العراق، وحتى القوات الروسية في أوكرانيا.
تشير مصادر رسمية غربية ويمنية (أي من الحكومة اليمنية المعترف بها رسميًا، التي تقاتل الحوثيين) منذ بداية العام 2025، إلى أن الحوثيين يمتلكون كميات كبيرة من الأسلحة الصينية الصنع أكثر من أي وقت مضى. لقد اعتمدوا سلفًا بشكل أساسي على الطرازات الإيرانية والسوفيتية (الروسية) القديمة. كما تحسنت دقة ضربات الحوثيين إلى حد كبير، ومن الواضح أن الأقمار الصناعية الصينية ومعدات رسم الخرائط ساعدتهم في توجيه صواريخهم وطائراتهم المسيّرة بدقة أكبر. يدّعي ممثلو وزارة الخارجية الأمريكية علنًا أن بكين، تحت ستار التصريحات المحايدة، تُزوّد الحوثيين في الواقع بمجموعة كاملة من الأدوات لشن الحرب.
لماذا تدعم الصين باستمرار إحدى أكثر الجهات الفاعلة عزلةً وخطورةً في العالم؟ حسب الكاتب، هناك سببان رئيسيان لذلك:
إلحاق الضرر بنفوذ الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط. يُقدّم الحوثيون أنفسهم علنًا على أنهم مناهضين للهيمنة الأمريكية، وتُصوّر الدعاية الصينية نجاحاتهم بأنها دليل على تراجع النفوذ الأمريكي عالميًا. هكذا، تُلحق بكين، بدعمها للحوثيين، الضرر بهيبة واشنطن دون الانخراط في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، الأمر الذي قد يُسفر عن تكاليف جيوسياسية باهظة.
تعزيز التحالف مع إيران. بعبارة أخرى، مصلحة جيوسياسية في تعزيز التحالف مع إيران، وهو ما اقتربت منه الصين إلى حد كبير في السنوات الأخيرة. في 27 مارس 2021، وُقّعت اتفاقية شراكة استراتيجية في طهران بين البلدين لمدة 25 عامًا. لذلك، تُعزز الصين أيضًا بدعمها للمنظمات التابعة لإيران -وفي مقدمتهم الحوثيون -بشكل غير مباشر إيران نفسها، أقرب شريك جيوسياسي.
في ضوء الاتجاهات الحالية، يبدو أن الصين تنوي التدخل بفاعلية أكثر في الشؤون اليمنية لصالح الحوثيين، دون الإعلان رسميًا عن ذلك. إذا استمر تفاقم المواجهة بين الصين والغرب بقيادة الولايات المتحدة، فمن المرجح أن تصبح اليمن إحدى أكثر نقاط الاحتكاك سخونة في هذا الصراع. في هذه الحالة، يمكن للصين زيادة إمداد الحوثيين بالتقنيات ذات الاستخدام المزدوج، ومساعدتهم في صنع طائرات مسيّرة، أو أنظمة دفاع جوي أكثر تطورًا تحت غطاء السلع التجارية، وما شابه ذلك.
مع ذلك، نظرًا للتردد العام للدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، لا يستبعد اتخاذ بكين خطوات أكثر جرأة -على سبيل المثال، استعدادها للتوسط في المحادثات بين السعودية والحوثيين. من الواضح أن مثل هذه الخطوة ستعزز إلى حد كبير صورة الصين باعتبارها صانعة سلام في الشرق الأوسط بأكمله، لا سيما في ضوء النجاح المماثل الذي تحقق مؤخرًا في تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران في مارس 2023.
على أية حال، يبدو أن بكين عازمة على ترسيخ مكانتها في جنوب شبه الجزيرة العربية، حتى لو تطلب ذلك إقامة علاقات مع الحوثيين. علاوة على ذلك، فإن التطور المحتمل للعلاقات الصينية الحوثية يتوافق بشكل طبيعي مع مفهوم النظام العالمي البديل الناشئ، على الأقل كما يُنظر إليه في بكين أو طهران أو موسكو.
بالنسبة لليمن نفسها، يُعد النفوذ المتنامي للجهات الفاعلة الخارجية الرئيسية، مثل الصين، مؤشرًا سيئًا للغاية. من ناحية، سيتمكن الحوثيون عبر الدعم الإيراني والروسي، والآن أيضًا من الصين، من مقاومة منافسيهم الكُثر بكفاءة أعلى، وضمان استمرار سيطرتهم على الأراضي الخاضعة لهم، ومن ناحية أخرى، مثل هذه العلاقات الخارجية سوف تعقد للغاية من المصالحة بينهم وبين فاعلين آخرين، وسيكون لدى الفاعلين مبررات كثيرة للغاية للشك في أن الحوثيين لا يتصرفون باستقلالية، وأن طهران أو موسكو أو بكين، بأهدافها وطموحاتها الإمبريالية وغيرها، هي القوة المحركة لهم. هذا يعني استمرار الحرب التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط.
أحمد الديب
باحث في الشأن الإسرائيلي
إسرائيل أوهمت قادة الحوثيين بغياب معلومات استخباراتية عن مواقعهم - مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية
https://sanaacenter.org/ar/translations/25471
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق