الأربعاء، 17 سبتمبر 2025

إسرائيل خدعت قادة الحوثيين بأنها تفتقر إلى معلومات استخباراتية عن مواقعهم

أشار موقع يديعوت أحرونوت، في 29 أغسطس 2025، إلى أن الجيش الإسرائيلي أعلن ظهيرة (الجمعة) أن هجوم أمس على جنوب صنعاء كان يستهدف كل قادة الحوثيين، ومن بينهم رئيس الأركان محمد عبد الكريم الغماري ووزراء يمنيون كانوا في طريقهم إلى الاجتماع. وأكد الجيش أنه على أهبة الاستعداد لردٍّ انتقامي من اليمن، ولكن ليس بناءً على تحذير استخباراتي، بل تقييم للوضع.


بحسب مصادر عسكرية، نُفذ الهجوم بناءً على معلومات استخباراتية دقيقة بشأن اجتماع قادة حوثيين بارزين، كان من المفترض أن يحضره رئيس أركانهم أيضًا، إلى جانب وزراء آخرين. وقالوا “انتهزنا فرصة استخباراتية مواتية لتنفيذ عملية دقيقة”.


شنت إسرائيل الهجوم، بعد ساعات من اعتراض طائرتين مسيرتين أطلقهما الحوثيون اتجاهها، وبالتزامن مع خطاب زعيمهم، عبد الملك الحوثي. وصف اليمنيون الهجوم بأنه “زلزال”. وقال أحد سكان صنعاء لموقع يديعوت أحرونوت إن “الانفجار كان هائلًا، وكأنه منبثق من جوف الأرض”. وبحسب قوله، أطلق الجيش الإسرائيلي عشرة صواريخ في أقل من خمس دقائق.


وذكر موقع جيروزاليم بوست، في 29 أغسطس 2025، أن مصادر في الجيش الإسرائيلي قالت إن إسرائيل استخدمت أسلوب الخداع قبل الغارة التي شنها سلاح الجو الإسرائيلي على صنعاء، اليمن، يوم الخميس. لقد أوهمت إسرائيل قادة الحوثيين بالأمان الزائف، حتى ينخدعوا بأنها تفتقر إلى معلومات استخباراتية موثوقة عن مواقعهم.


من المتوقع أن يزداد نطاق أهداف الجيش الإسرائيلي في استهداف الحوثيين مع مرور الوقت، كما حدث تمامًا ضد حزب الله وإيران.


خطوة مهمة للغاية

قال مصدر حكومي في جنوب اليمن لموقع يسرائيل هيوم، في 29 أغسطس 2025، إن “استهداف قيادة الجماعة “الإرهابية” خطوة مهمة للغاية”. وأكد “أهمية مواصلة الهجوم، والتركيز على باقي المسؤولين العسكريين والأمنيين، وعلى رأسهم “الإرهابي” عبد الملك الحوثي. ووفقًا له، كان محمد الغماري، رئيس أركان الحوثيين، “إرهابي خطير للغاية”.


كما وجه رسالة إلى إسرائيل: “يجب مواصلة الهجمات الجوية إلى جانب دعم القوات المسلحة الجنوبية لتنفيذ عملية برية حتى تتكلل الحملة على الحوثيين بالنجاح”.


بينما كتب يمني -مؤيد للحكومة الشرعية ومناهض للحوثيين -عمودًا خاصًا وباسم مستعار على موقع يديعوت أحرونوت، في 30 أغسطس 2025، وقال إن اليمن شهدت أخيرًا هجمات عسكرية، وُصفت بأنها الأنجح منذ سنوات، استهدفت شخصيات بارزة في صفوف الحوثيين. لم تكن هذه العملية مجرد ضربة تكتيكية، بل حملت أبعادًا استراتيجية تجاوزت الساحة اليمنية.


لسنوات، اعتاد اليمنيون على الهجمات والعمليات العسكرية، التي اتسم معظمها بالعشوائية، وأضرت بالمدنيين والبنية الأساسية أكثر من قادة الجماعة. وكانت النتيجة واحدة: غضب شعبي، وتعزيز سردية الحوثيين بأنهم ضحايا. أما اليوم، فقد تبدل الوضع. لقد ساد المجتمع اليمني ارتياح كبير بعد الضربة المباشرة للقادة العسكريين، لأنه أدرك أن هذه الهجمات قد تكون وسيلة لتغيير المعادلة، وليست فصلًا آخر في دائرة العنف.


يتجاوز تأثير ونتائج هذه العملية كل الضربات السابقة، ومن بينها الضربات الأمريكية التي استهدفت قادة “الإرهاب” في اليمن على مدى العقدين الماضيين. في حين اقتصرت الضربات الأمريكية، في كثير من الأحيان، على قتل عدد محدود من الأشخاص دون إحداث تغيير سياسي أو اجتماعي، فإن هذه الضربة الأخيرة استهدفت هيكل القيادة الحوثية نفسه، حيث نجحت في ضرب مركز صنع القرار، وأربكت القيادات العليا في الجماعة.


على المستوى العملياتي، لم تعد المسألة تقتصر على الضربات الجوية. إن المعلومات الاستخباراتية المتاحة اليوم دقيقة وكافية لتجفيف منابع قوة الحوثيين، إما بقطع طرق الإمداد أو ضرب مراكز تمويلهم وتسليحهم، مما يضع الجماعة في موقف دفاعي خانق. والأهم من ذلك، أن هناك قدرة حقيقية على مواجهة الحوثيين عسكريًا وبريًا متى تقرر ذلك، أي أن الخيارات متعددة ولا تقتصر على المجال الجوي فقط.


تكمن الأهمية الكبرى فيما يترتب عليه بعد الهجوم. إن اليمن ليس مجرد ساحة قتال. إنه مفترق طرق جيوسياسي يقع على مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية في العالم. لقد أدت جماعات إسلامية متطرفة، وعلى رأسها الحوثيين، دورًا رئيسيًا على المنطقة على مدى العقد الماضي. ومع ذلك، أثبتت التجربة أن الاعتماد على القوى الإسلامية -سواء في اليمن أو سوريا أو العراق -لا يجلب الاستقرار، بل تفشي التطرف بمختلف صوره.


من جهة أخرى، ثمة خيار آخر يتمثل في القوى الليبرالية والمدنية في اليمن. هذه القوى، التي تضم نخبًا سياسية وثقافية وشابة، تمثل شريحة واسعة من المجتمع تسعى إلى دولة حديثة ومدنية، خالية من الخطاب الديني المتطرف، وذات نطاق اجتماعي قادر على استقطاب مختلف الفئات. يمكن لهذه القوى أن تصبح شريكًا حقيقيًا في رسم مستقبل مستقر لليمن، إذا ما حظيت بالدعم اللازم.


يفتح نجاح الهجوم الأخير نافذة استراتيجية: المجتمع اليمني يكون أكثر استجابة عندما تكون الضربات دقيقة وموجهة إزاء القيادة العسكرية والسياسية الحوثية. يوفر هذا الرد الشعبي بيئة مثالية للتحالف مع القوى الليبرالية التي تسعى إلى فرصة لترسيخ وجودها في الساحة السياسية. الدروس المستفادة من سوريا والعراق واضحة: القوى الدينية تتحول إلى عبء استراتيجي مع مرور الوقت. في اليمن، لا تزال هناك فرصة لتجنب تكرار هذه الأخطاء عبر الاستثمار في القوى المدنية الليبرالية وإتاحة المساحة اللازمة حتى تكون بديلًا سياسيًا واجتماعيًا.


باتت المعركة حتمية، ولم يعد هناك متسع للحياد أو التسويف. المطلوب الآن هو التركيز على جمع المعلومات والاستخبارات أكثر من الهجمات العشوائية. المعلومات الدقيقة هي التي تُحدث الفارق وتساعد على تنفيذ هجمات حاسمة تُغير المعادلة. على إسرائيل أن تُدرك أن دورها الفعال يكمن في دعم هذا الجانب، فالمعركة في اليمن لم تعد معركة محلية، بل جزء من الصراع الإقليمي والدولي على طرق التجارة والأمن البحري.


يقف اليمن حاليًا عند مفترق طرق: إما أن تُواصل دورة القوى الأيديولوجية التي تجرّ البلاد إلى مزيد من العنف والتبعية للقوى الأجنبية، أو أن تستثمر في خيار آخر يفتح الباب أمام استقرار طويل الأمد. لم يكن الهجوم الأخير نجاحًا عسكريًا فحسب، بل إشارة سياسية إلى أن الوقت قد حان لتغيير الاستراتيجية: من جهة، استهداف القيادة، وتجفيف موارد الحوثيين ومواجهتهم ميدانيًا عند الضرورة، ومن جهة أخرى، دعم بديل ليبرالي ومدني.


إنجاز تاريخي لإسرائيل في اليمن

أشار موقع جلوبس، في 30 أغسطس 2025، إلى إعلان الحوثيون مقتل رئيس الوزراء و”عدد آخر من الوزراء” في الهجوم الإسرائيلي. وعدَّد ثلاثة أسباب تجعل هذا الهجوم ونتائجه إنجازًا هائلًا: التاريخ، والاستخبارات، وبُعد المسافة.


يُظهر التاريخ أن الحوثيين جماعة “إرهابية” تتصرف بلا حدود. لم يتمكن الأمريكيون، ولا السعوديون، ولا حتى يومنا هذا من كبح جماحهم.


على المستوى الاستخباراتي، لم تكرس إسرائيل حتى 7 أكتوبر جهدًا استخباراتيًا كبيرًا للساحة الحوثية. مع أننا شهدنا نجاحات استخباراتية كبيرة في الساحة الشمالية وفي إيران، إلا أنه يمكن القول بشأن الحوثيين في اليمن، إن إسرائيل كانت شبه عمياء. لدرجة أن الجيش الإسرائيلي اضطر إلى تجنيد متحدثين يمنيين بسرعة في صفوفه لجمع المعلومات الاستخبارية ذات الصلة. في ضوء هذه النقطة، من الملفت أن إسرائيل نجحت في جمع معلومات استخباراتية دقيقة عن أماكن اجتماعات قيادة الحوثيين في فترة زمنية قصيرة نسبيًا، مما أدى إلى القضاء عليهم إلى حد كبير.


ويتمثل السبب الثالث في بُعد المسافة – حيث يتطلب كل هجوم في اليمن تحليقًا في المجال الجوي لمسافة لا تقل عن 2000 كيلومتر عن إسرائيل، ونحو أربع ساعات طيران (ذهابًا وإيابًا)، والتزود بالوقود. بمعنى آخر، إنها خطوة تتطلب مزيجًا من القدرات الاستخباراتية والقدرات العسكرية والجوية الاستثنائية.


في سياق متصل، ذكر موقع معاريف، في 31 أغسطس 2025، أنها ليست أول مرة تهاجم فيها إسرائيل اليمن، ولكن بعد الهجوم ووضوح أهدافه تبين أنه إنجاز استخباراتي وتشغيلي مهم يفوق حتى عملية “البيجر” في لبنان.


رغم بُعد المسافة عن إسرائيل -أكثر من ألفي كيلومتر -حلق عدد كبير من طائرات سلاح الجو، المُجهزة بأطنان من القنابل في انتظار الضوء الأخضر لمهاجمة اجتماع حكومة الحوثيين في مبنى سري بصنعاء. لقد انتظرت الطائرات لأن رئيس أركان الحوثيين، الذي حاولت إسرائيل تصفيته قبل أشهر في عملية “عام كلافي”، كان من المفترض أن يصل إلى الاجتماع لكن لم يتضح ما إذا كان قد وصل بالفعل.


بينما قال قائد القيادة الجنوبية السابق، العميد المتقاعد هارئيل كنافو، على القناة 14 الإسرائيلية، في 31 أغسطس 2025، بشأن تصفية قيادة الحوثيين: “لقد هزمناهم هزيمة نكراء. حققنا ما عجز عنه الأمريكيون والسعوديون. يتمنى الحوثيون إنهاء حرب غزة، ليبرروا وقف الحرب على إسرائيل.


في حين قال البروفيسور عوزي رابي على إذاعة 103FM الإسرائيلية، في 13 أغسطس 2025: “الحوثيون في نهاية المطاف دولة داخل دولة. لقد قُتل رئيس وزراء وعدد من الوزراء. إنها قوة بالغة الأهمية من حيث الرؤساء التنفيذيين للدولة وإدارتها. عندما ننظر إلى قصة الحوثيين برمتها، يجب أن نضع نصب أعيننا أمر واحد، وهو قدرتهم على المواءمة”.


ما الذي ينتظر اليمن لاحقًا؟

قال موشيه كاسيف، مستشرق وعضو استخباراتي سابق، على موقع bizportal، في 31 أغسطس 2025، إن تصفية قادة الحوثيين قد يؤدي إلى خسارة آخر وكيل لإيران في المنطقة. ومع ذلك، أثبتت التجربة أنه في بلد شهد كثير من الاشتباكات، والمعارك، والقتل، والمواجهات، قد تظهر قيادة أخرى تُواصل نهج سلفها وتهاجم إسرائيل.


وقال إن تصفية قيادة الحوثيين قد يُساعد حكومة جنوب اليمن، الشرعية والمعترف بها دوليًا، على السيطرة على كامل اليمن. ومع ذلك، من غير المؤكد أن يتحقق هذا الهدف في بلد مُنقسم، يُديره في الغالب زعماء قبائل وزعماء محليون. بالإضافة إلى ذلك، يوجد في شمال اليمن، على ما يبدو، عناصر من الحرس الثوري لا يزالون يُقدمون الدعم للحوثيين. لا يُمكن تعزيز الحكومة الشرعية في اليمن دون طرد الإيرانيين تمامًا من اليمن. لكن إسرائيل، للأسف، غير قادرة على تحقيق ذلك بمفردها.


وفيما يتعلق بقصف إسرائيل، قال كاسيف إن تصفية قيادة الحوثيين لا يعني بالضرورة توقف إطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ من اليمن إلى إسرائيل. من المهم أن نفهم أن استمرار اليمنيين في مضايقة إسرائيل هو الأهم من وجهة نظر الإيرانيين.


من وجهة نظر الإيرانيين، إن الحوثيين، شأنهم شأن حزب الله في لبنان، بيدق في لعبة الشطرنج بينهم وبين الغرب. سيوافق الإيرانيون على التخلي عنهم مقابل الحصول على مساعدة من الغرب، أو رفع العقوبات.


بما أن اليمن يخضع بالفعل لسيطرة ضعيفة نسبيًا من الحكومة اليمنية، فقد تُشكل حكومة جديدة قريبًا، وقيادة عسكرية جديدة أيضًا. ففي النهاية، إنه جيش ظل إلى حد كبير، وليس بالضرورة جيشًا يتمتع بآليات قيادة وسيطرة منظمة. لذلك، ينبغي على إسرائيل الاستعداد لاحتمال استئناف الحوثيين قصف إسرائيل في وقت قريب، بقيادة عسكرية وسياسية جديدة. في مثل هذه الحالة، سيتطلب الأمر اتخاذ إجراءات إضافية من حين لآخر. ومع ذلك، يبدو أن إسرائيل قد طورت قدراتها الاستخباراتية في اليمن، مما يسمح بتنفيذ مثل هذه العملية بسلاسة أكبر في وقت قصير نسبيًا من لحظة اتخاذ القرار.


بطريقة أو بأخرى، سواء استمر إطلاق النار من اليمن أم لا، بل وأكثر من ذلك إن لم يُستأنف، فإن العملية الإسرائيلية الناجحة في اليمن قد رسّخت مكانة إسرائيل باعتبارها قوة عسكرية رائدة في المنطقة.


أحمد الديب

باحث في الشأن الإسرائيلي

إسرائيل أوهمت قادة الحوثيين بغياب معلومات استخباراتية عن مواقعهم - مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية

https://sanaacenter.org/ar/translations/25471

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحوثيون يواصلون إطلاق الصواريخ لكنهم يعانون من الفقر المدقع

قال إيال بينكو في صفحته على موقع لينكد إن، إن الحوثيين يمتلكون صواريخًا، لكنهم يعانون من نقص في السيولة النقدية، لذلك، أعلن نظام الحوثيين في...