تناول موقع جيروزاليم بوست مقالًا، في 31 يوليو 2025، أشار فيه إلى وجود جيش شرق أوسطي قادر على سحق “الإرهابيين” الحوثيين في اليمن، ووقف هجماتهم الفتاكة على ممرات الشحن الحيوية في البحر الأحمر، وضرباتهم الصاروخية على إسرائيل.
أشار المقال إلى أن الضربات الجوية الإسرائيلية ليست سوى مرحلة أولى، وأن ثمة حاجة إلى قوات برية، حيث يمكن لجيش كبير ومجهز تجهيزًا جيدًا ومستعد للتحرك أن يحل هذه المشكلة مرة واحدة وإلى الأبد. يضم هذا الجيش 480 ألف جندي في الخدمة الفعلية، و325 ألف جندي احتياطي، وتبلغ ميزانيته السنوية نحو 70 مليار دولار، ويمتلك أسطولًا ضخمًا من طائرات الهجوم المتطورة، وما يقرب من ألف دبابة، وآلاف ناقلات الجند المدرعة. إنها إسرائيل، أليس كذلك؟ لا، إنها السعودية المجاورة لليمن.
يبلغ عد سكان السعودية نحو أربعة أضعاف عدد سكان إسرائيل، وميزانية دفاعها زهاء ثلاثة أضعاف ميزانية الدفاع الإسرائيلية، وجيشها ثلاثة أضعاف عدد جنود الجيش النظامي، ونفس عدد جنود الاحتياط تقريبًا. هذا لا يعني أن جيشها أفضل من إسرائيل، ولكنه أكبر؛ كبير بما يكفي لتنفيذ المهام الموكلة إليه.
عادةً ما نسمع عن الجيش السعودي فقط عندما تعلن الولايات المتحدة عن أحدث صفقة أسلحة بمليارات الدولارات مع المملكة، وتظهر إسرائيل وداعموها رد فعل قوي وصاخب. في النهاية، كل تلك المعدات العسكرية المتقدمة متوفرة وعلى أهبة الأستعداد إذا كان لدى السعودية الدافع لاستخدامها. لقد حاربت السعودية الحوثيين بالفعل مرة واحدة. اندلعت اشتباكات عبر الحدود عام 2009، واستمرت على فترات متقطعة لعقد من الزمان.
أطلق الحوثيون صواريخ على السعودية، أصاب أحدها المطار الرئيسي، وأرسل السعوديون قوات إلى اليمن للقضاء على “الإرهابيين” المدعومين من إيران. انسحب السعوديون، وهم يجرون أذيال الخيبة، بعد اتفاق وقف إطلاق النار عام 2018. لم تكن الهزيمة بسبب نقص القوة النارية، بل لعدم الجدية.
ما الذي تغير إذن؟ ما الذي قد يدفع السعوديين إلى المحاولة مجددًا والمضي قدمًا هذه المرة؟ لقد ضعفت إيران، عدو السعودية اللدود، إلى حد كبير في حروبها مع إسرائيل، حيث فقدت وكلاءها في لبنان وغزة، وتكبدت هزيمة مذلة جراء الغارات الجوية الإسرائيلية والأمريكية. بالتوازي مع ذلك، يتشكل محور جديد في الشرق الأوسط، مما يُعقّد الصورة القديمة للمسلمين السنة بقيادة السعودية ضد الشيعة بقيادة إيران: تركيا تلعب دور القوة الإقليمية إلى جانب إيران. تركيا كانت دولة سنية علمانية، قادها رئيسها القوي، رجب طيب أردوغان، إلى الإسلام المتطرف. هذا يشكل خطرًا وفرصة في آنٍ واحد للسعودية وقائدها المُتطلع للمستقبل، محمد بن سلمان.
دعم إيران المُستمر للجماعات الإرهابية
تُواصل إيران تسليح الحوثيين، بينما يُمثل المحور التركي الإيراني تهديدًا لجبهة السعودية من جهة، ومن جهة أخرى، تُمثل هذه فرصةً لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لتأكيد ريادة السعودية في المنطقة باعتبارها قوة مُضادة للمحور الجديد. لماذا يفعل ذلك؟ لماذا لا يترك الأمور كما هي ويراقب التهديدات المُحتملة التي قد يكون لها أثر عليه أو لا؟ ولأنه قادر على ذلك، يُريد محمد بن سلمان إحداث تأثير. هنا يأتي دور إسرائيل.
لكي تتخذ السعودية موقفًا إقليميًا إيجابيًا، يجب على ابن سلمان، الموافقة على الانضمام إلى اتفاقيات إبراهام التاريخية، وهي اتفاقيات سلام بين إسرائيل وكثير من الدول العربية المُجاورة للسعودية. قد يؤدي ذلك إلى تشكيل تحالف باعتباره قائد بارز في المنطقة، ولكي يتحقق ذلك، يجب أن تنتهي الحرب في غزة. إذا أخذنا في الاعتبار الفوائد المحتملة التي قد تعود على إسرائيل من قوة عربية معتدلة بقيادة السعودية لتحل محل جبهة الإرهاب الإيرانية، فإن إنهاء الحرب ينبغي أن يكون الأولوية القصوى لإسرائيل بدلًا عن “النصر الكامل” الذي يتعذر تحقيقه، و”المفاوضات” التي لا نهاية لها وغير المثمرة مع حماس، التي لا ترى مصلحتها في السماح للإسرائيليين بالخروج من الانهيار الدولي الذي تسببوا فيه.
إحدى فوائد التدخل السعودي هي توفير “أفق سياسي” للفلسطينيين، أي إشارة إلى قيام دولة فلسطينية. لن توافق القيادة الإسرائيلية الحالية على ذلك أبدًا، مع أن الفلسطينيين أثبتوا مرارًا أنهم لا يريدون دولة تعيش بسلام مع إسرائيل، بل يريدون دولة تعيش بسلام بدون إسرائيل. لذا، فإن هذا الأفق بعيد المنال لدرجة أن تلسكوب هابل الفضائي لم يستطع رصده.
يمكن لتحالف معتدل بقيادة السعودية أن يتولى إعادة إعمار غزة والسيطرة على “الإرهابيين”. قد يؤدي ذلك حتى إلى حل دائم بين إسرائيل والفلسطينيين، يفرضه التحالف، ونأمل أن يتحقق ذلك بالتعاون مع إسرائيل. الخطوة الأولى في هذه العملية هي القضاء على تهديد الحوثيين، وإعادة توحيد اليمن تحت الحماية السعودية. إنها خطوة جيدة مبدئيًا.
أحمد الديب
باحث في الشأن الإسرائيلي
إسرائيل أوهمت قادة الحوثيين بغياب معلومات استخباراتية عن مواقعهم - مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية
https://sanaacenter.org/ar/translations/25471
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق