الثلاثاء، 7 فبراير 2023

مختصر تاريخ القهوة

 

تناول الدكتور يارون فريدمان[1] تاريخ القهوة في موقع زمن يسرائيل، وقال إن المشروب الذي يبدأ به معظمنا يومه أصله شرق أوسطي وليس في أمريكا الجنوبية أو أوروبا. كيف وصل المشروب المنبه إلينا، ولماذا أثار معارضة في البداية؟

أولًا، كلمة "قهوة" أصلها عربي، وكانت مرادفة حتى القرن ال 16 للنبيذ في اللغة العربية. الاسم الكامل للقهوة كان "قهوة البن" أي: نبيذ حبوب البن. بما أن الخمر والكحول محرمان في الإسلام، فإن صعوبات استساغة المشروب كانت متوقعة.

أصل القهوة في اليمن، حيث زرعت القهوة هناك بالإضافة إلى الحبوب التي جاءت من الحبشة المجاورة (إثيوبيا)، عبر ميناء مدينة المخا على ساحل البحر الأحمر، أصل الاسم موكا. معظم رجال الدين في القرن ال 16 من الصوفية، وهم من نشروا مشروب القهوة في منطقة الحجاز في شبه الجزيرة العربية في مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة.

اشتهر المشروب بأنه يساعد رجال الدين على اليقظة خلال الشعائر الدينية الطويلة. الطلاب الذين قدموا من اليمن للدراسة في الأزهر ، أهم مركز ديني في العالم السني، استخدم الطلاب اليمنيين الذين قدموا للدراسة في الأزهر، أهم مركز ديني في العالم السني، القهوة للبقاء في حالة يقظة، وتحسين مستواهم الدراسي.

انتشر شرب القهوة بين علماء الصوفية في القاهرة، ثم أخذه الطلاب والصوفيون إلى دمشق، وبمرور الوقت افتتحت المقاهي في مصر، وسوريا، واسطنبول عاصمة الإمبراطورية العثمانية. وقد أطلق عليهم بالعربية "مقهى"، وبالتركية "قهوة خانة". تأسست أول مقهي في فلسطين في مدينة القدس إبان منتصف القرن ال 16، كما تأسست نقابة لأصحاب المقاهي.

 

تحذير، القهوة بدعة

أثارت عادة شرب القهوة معارضة منذ البداية بين السلطات ورجال الدين لأسباب مختلفة. كانت القهوة جزءًا من القيم "التي استوردها" رجال الدين الصوفيين الذين لا ينتمون إلى الإسلام المؤسسي. انتقد علماء الدين الرسميون الصوفيين لأنهم شجعوا طقس إسلامي شعبي. لقد رأوا القهوة على أنها بدعة آخرى ابتكرها الصوفيون في الإسلام. ضم الإسلام المؤسسي القهوة إلى قائمة الممارسات الصوفية الأخرى التي عارضها، مثل: الموسيقى، والغناء، والرقص في الاحتفالات الدينية. هذا يذكرنا بالتوتر بين الحسيديم ومعارضيهم لدى يهود أوروبا في القرن ال 18.

أصدر علماء الدين في جميع أنحاء الإمبراطورية العثمانية فتاوى تحرم شرب القهوة. وهدد القضاة بعقوبات صارمة، لكن تطبيقها كان محدودًا في الممارسة العملية. أدرك علماء الدين والقضاة أن معارضتهم لا طائل منها. لم تتكاثر المقاهي فحسب، بل مارس علماء الصوفية نفوذهم الكامل لإلغاء الفتاوى المعارضة للقهوة.

عندما حظر بيع القهوة في الأسواق، تم توزيعه في المنازل الخاصة. كان لأصحاب نقابات القهوة أيضًا تأثير كبير على السلطات، وضغطوا على علماء الدين، والقضاة للسماح بالقهوة بسبب المصالح الاقتصادية.

القهوة خطيرة وغير أخلاقية

تظهر مصادر من القرنين ال17 وال 18 أن السلطات حذرت من وقوع أحداث غير أخلاقية في المقاهي، مثل: مخالطة الرجال والنساء، والخلاعة. على مر السنين ، لم ينزعج علماء الدين من تناول القهوة في حد ذاتها بل من الظواهر المصاحبة لها. شجعت المقاهي على قضاء وقت الفراغ، وقل عدد المصلين في المساجد وفضلوا شرب القهوة في المقاهي.

في القرن التاسع عشر، بدأت المقاهي تزعج السلطات أكثر فأكثر. كان الشباب يجتمعون في المقاهي، ويشربون هذا المشروب المنعش مما أدى إلى استحداث أفكار جديدة و "خطيرة"، ومنها: التمرد، والحرية، والحقوق الفردية. كما تشكلت الحركات القومية العربية في المقاهي.

أثارت القهوة أفكار القوميين العرب الأوائل، وقادة حركة النهضة العربية، الذين بدأوا ينظرون إلى الإمبراطورية العثمانية على أنها محتل قمعي.

من مشروب شرق أوسطي إلى مشروب عالمي

في القرن السابع عشر، بدأ التجار الأتراك- العثمانيون والعرب بتصدير القهوة إلى أوروبا، وأنشئت أول مقهى في البندقية، ثم في المدن الإيطالية الأخرى. انتشرت القهوة في جميع أنحاء أوروبا وأصبحت أحد رموز الاستعمار الأوروبي. بدأت القوى الأوروبية بزراعة البن في مستعمراتهم في إفريقيا وأمريكا الجنوبية ذات المناخ الحار (على غرار الظروف المناخية في الحبشة واليمن) في مطلع القرن الثامن عشر. وكان الهدف هو التحرر من التبعية الاقتصادية للبن العثماني في الشرق الأوسط.

في القرن الثامن عشر، بدأت مقاهي فيينا في إضافة السكر (الذي كان رمزًا استعماريًا آخر في ذلك الوقت) والحليب إلى القهوة المرة، ومن هنا نشأ الكابتشينو. في أوروبا أيضًا، كان للقهوة المنعشة والمقاهي نفسها مساهمة كبيرة في تطوير أفكار جديدة في الفكر الحديث. كتب العديد من المفكرين، وألقوا خطابات، وتحدثوا والتقوا بزملائهم في المقاهي.

سنعود إلى الشرق الأوسط موطن القهوة. تعد القهوة رمزًا لانتصار الشعب على المؤسسة. لقد حظرته السلطات والقضاة وعلماء الدين، لكن انتصرت إرادة الشعب. لا توجد قيمة قديمة يمكن أن تنافس رائحة وطعم القهوة المذهلين. يقول البعض أن القهوة محفز نفسي ولها تأثير إيجابي على الإنسان.

سوف ننهي المقال بعادات القهوة ومصطلحاتها في العالم العربي.

القهوة بالعربية - عادات

شرب القهوة حدث اجتماعي في الثقافة العربية في المناسبات السعيدة والحزينة على حد سواء. إعداد القهوة ليس مجرد متعة، ولكنه تعبير عن احترام الضيف. يقف النادل ممسكًا بـيده اليسرى "دلة" ويصب القهوة في "فنجان" يحمله في يده اليمنى. لا يجلس النادل حتى ينتهي الضيوف من الشرب. لا يملأ النادل الفنجان بالكامل، وسوف يملأ عد مرات حتى يقول الضيف "بَس (كفى)" أو يحرك الفنجان مع بقية المشروب. في أيام الحداد، يكتفون بكوب واحد ولا يحركون الكوب.

عادات القهوة بين البدو كثيرة ومتنوعة، لكنها تختلف من قبيلة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى.

القهوة:

ملحوظة: ينطق البدو كلمة قهوة "جهوة" بالجيم، وفي الريف تنطق "كهوة" بالكاف، بينما يقول سكان المدن "أهوه" بالألف.

القهوة العربية - القهوة السوداء (تسمى بالخطأ القهوة التركية)

بن - حبوب القهوة

فنجان

غلاية، وتسمى أيضًا بين البدو: بكراج

يُطلق على الدلة أيضًا اسم: مصب - وهي أداة لحفظ القهوة دافئة وسكبها

مضافة - غرفة الضيوف وشرب القهوة

المجلس - جلسة دائرية لشرب القهوة بين البدو، حيث يتمكن النادل من صب القهوة دائمًا بترتيب الضيوف من اليمين إلى اليسار. من المعتاد أن تبدأ بأكثر ضيف احترامًا أو أكبرهم سنًا.

المهباج أو الهاون وهي أداة لسحق القهوة. كان يستخدم قبل البن المطحون التجاري. كان البدو يغنون على إيقاع طحن المهباج. تم حرق الحبوب في المحماص. لا يزال البدو يحتفظون بهذه العادات.

اشتهر مثل بدوي عن شرب ثلاثة فناجين قهوة: "فنجان للضيف، وفنجان للكيف، وفنجان للسيف. الفنجان الأول للضيف (لا ترفض لأنه تعبير عن الاحترام)، الفنجان الثاني للمتعة، والثالث للسيف، أي التحالف وعهود الدفاع، رمز الولاء والتفاني للمضيف.

تحية مقدم القهوة:  "يسلم إيدك"، ويرد عليه بالقول: "وإيدك"، أو "صحتين".

التحية أثناء شرب القهوة: "قهوة دايمة"، ويرد عليه بالقول: "دامت حياتكم".



[1] - خريج جامعة السوربون في باريس، باحث ومحاضر ومعلم للغة العربية في قسم دراسات الشرق الأوسط والإسلام في جامعة حيفا. عمل معلقًا على الشؤون العربية في صحيفة يديعوت أحرونوت. وأصدر كتاب: "العلويين – تاريخ ودين وهوية" عام 2010. كما أصدر بالإنجليزية كتاب "الشيعة في فلسطين" عام 2019. ويدير نشره إخبارية بعنوان: "هذا الأسبوع في الشرق الأوسط".