الخميس، 16 أكتوبر 2025

كيف ينبغي لإسرائيل الاستعداد لاحتمال وقوع أسلحة كيماوية في يد الحوثيين؟

كيف ينبغي لإسرائيل الاستعداد لاحتمال وقوع أسلحة كيماوية في يد الحوثيين؟

نشر إيلي كلوتستين [1]، على موقع ماكور ريشون، في 10 سبتمبر 2025، مقالًا مطوّلًا تناول فيه ما قاله معمر الإرياني، وزير الإعلام الذي يمثل الحكومة المعترف بها دوليًا، في مقابلة مع صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية، بأن "المتمردين الشيعة" في اليمن بدأوا في تكريس جهودهم لتطوير أسلحة كيميائية.

أشار كلوتستين إلى أنه من الصعب تقييم مدى مصداقية ادعاء الوزير اليمني بشأن تطوير أسلحة كيميائية، غير أن خبرًا سابقًا يُؤكد صحته. على سبيل المثال، في أغسطس، استولت "المقاومة الوطنية اليمنية"، إحدى القوى المحلية التي تقاتل الحوثيين، على 750 طنًا من الأسلحة المهرّبة من إيران إلى اليمن. وبحسب التقرير، تضمنت الشحنة المهربة أسلحة كيميائية. اتضح بعد تحقيق أجرى مع طاقم السفينة أنهم حمّلوا عليها حاويات مبرّدة، خُزنت فيها مواد كيميائية حساسة تُستخدم في تحضير المتفجرات والصواريخ، بالإضافة إلى مكونات لإنتاج أسلحة كيميائية.

بوجه عام، ورغم الجهود الإسرائيلية المبذولة، استمرت جهود التهريب الإيرانية إلى اليمن لأشهر طويلة، للحفاظ على قدرات الحوثيين لإلحاق الضرر بإسرائيل وترسيخ نفوذهم في مواجهة العناصر المحلية. رغم ضبط شحنة تحتوي على مواد كيميائية، فمن المرجح وصول شحنات أخرى لم تكتشف إلى مقصدها، ويستخدمها الحوثيون لقتال إسرائيل.

قال كلوتستين إن الحوثيين يتبعون أساليب تهريب متنوعة لتعزيز قوتهم، ومن بينها استخدام زوارق صغيرة تمر عبر خليج عدن، ولا ترسو بالضرورة في الموانئ الرسمية التي قصفتها إسرائيل. يستغل الحوثيون أيضًا طرقًا برية لتهريب الأسلحة، لا سيما عبر الحدود العمانية. اعترضت القوات اليمنية عدة عمليات تهريب مماثلة، غير أن عدد العمليات الأخرى التي تمكنت من الهروب منها غير معروف. في الماضي، على الأقل، كانت هناك أيضًا قناة جوية يمكن استغلالها للتهريب، عبر رحلة مباشرة بين عمان وصنعاء.

إذا بدأ الحوثيون تطوير أسلحة كيميائية، فهل هذا يُمثل خطرًا حقيقيًا؟ أثبتت التجارب السابقة أنها تمثل خطرًا. استخدمت روسيا، بحسب التقارير، أنواعًا مختلفة من الأسلحة الكيميائية في حرب أوكرانيا، وقتل الديكتاتور السوري بشار الأسد شعبه بالغاز السام، كما أثبت استخدام هذه الأسلحة في الحرب العراقية الإيرانية فعاليتها المروعة. إنها أسلحة شديدة الفتك، وتتطلب حماية خاصة، ولا سيما أنها تُثير ذعرًا عامًا وعلى نطاق واسع، يتجاوز أحيانًا الضرر المحتمل للسلاح نفسه.

حتى الآن، لم ينفذ الحوثيون -خلال ما يقرب من عامين منذ بدء الحرب -سوى 6-7 هجمات ناجحة على إسرائيل -هجمات بطائرات مسيّرة على ملعب، ومدرستين، ومبانٍ سكنية، وهذا الأسبوع على مطار رامون. أسفرت هذه الهجمات عن مقتل مدني إسرائيلي واحد، وهو يفغيني فريدر. تمكّن صاروخ حوثي واحد من اختراق الدفاعات الإسرائيلية وسقط بالقرب من مطار بن غوريون.

لكن الأسلحة الكيميائية، كما ذُكر، قصة مختلفة تمامًا. قال المقدم (احتياط) آفي بيتسور[2]، حتى لو نجح المتمردون الشيعة في تطوير مثل هذه الأسلحة، فإن جرأتهم على استخدامها موضع شك -إذ يُعدها الغرب، من نواحٍ عديدة، "خطًا أحمر"، وهدد سلفًا بالرد بشدة على مثل هذه الهجمات. حتى إيران، التي يبدو أنها تمتلك مثل هذه الأسلحة، لم تستخدمها في مواجهة إسرائيل حتى الآن.

يوضح بيتسور لموقع ماكور ريشون: "لقد أحجمت إيران حتى الآن عمدًا عن استخدام هذه المواد، لأنها لا تزال تحمل ندوب استخدام المواد الكيميائية عليها في الحرب العراقية الإيرانية، وهي تدرك تداعيات ذلك"، ويضيف: "السبب الثاني هو أن مثل هذا الإجراء قد يعزلها دوليًا. من الناحية الفنية، لا توجد صعوبة في تصنيع مثل هذه الأسلحة في المختبرات، حتى في اليمن. يمكن استخدام السماد العضوي لصناعة سلاح كيميائي من نوع غاز أعصاب كما فعلت طائفة "أوم شينريكيو" في اليابان.

من ناحية أخرى، تبيّن أن "الخط الأحمر" الذي حدده الغرب سلفًا بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية هش وضعيف. على سبيل المثال، رغم تهديدات الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالرد على استخدام هذا النوع من الأسلحة في الحرب الأهلية السورية، إلا أن رده كان ضعيفًا جدًا ولم يُحدث تأثيرًا يُذكر. حتى لو لم ترغب إيران نفسها في استخدام هذه الأسلحة، فهذا لا يعني أنها لن تدفع وكيلها في اليمن للقيام بذلك نيابةً عنها -ففي النهاية، جرى تشكيل تحالف دولي ضد الحوثيين، وقصَفَهم الأمريكيون، وهم في حالة حرب ضد إسرائيل، واغتُيل معظم حكومتهم.

ليس لدى الحوثيون الكثير ليخسرونه، وأقوى سيناريو يمكن مجابهتهم به هو إنشاء تنظيم على غرار الحرب على داعش في العقد الماضي في العراق وسوريا، إذا انزعج العالم حقًا مما يحدث في اليمن. لكن من الصعب افتراض تشكيل مثل هذا التحالف بسهولة، خاصةً في وقت تنشغل فيه الدول الغربية بتعاظم قوة الصين، والحرب في أوكرانيا، وغيرها. إسرائيل ترى أنها ليست في حاجة إلى المخاطرة. بعد 7 أكتوبر وهجوم حماس المفاجئ على مستوطنات الجنوب، لا ينبغي استبعاد أي احتمال مسبقًا، ويجب أخذها بعين الاعتبار، وفحص أي شبهة قبل استبعاد مثل هذه المخاوف.

يرى يوسي منشروف [3] أيضًا أن هذه القضية مثالٌ على المحاولات الإيرانية لاستعادة "حلقة النار" حول إسرائيل: "لا يوجد دليل قاطع على مسألة الأسلحة الكيميائية، وهي مسألةٌ تحتاج إلى دراسةٍ معمقة"، ويضيف، "لكن الادعاءات التي قدمتها الحكومة الشرعية في اليمن حتى الآن بشأن الحوثيين وعلاقاتهم بإيران قد ثبت صحتها، على الأقل في بعض الحالات. على أي حال، هذا الاتهام الخطير يبرز خطورة عامل الوقت، فكلما توالت الأشهر يزداد التهديد الحوثي وخاصة في ضوء حصولهم على دعم شامل من فيلق القدس. هذا يُبرز أهمية كبح جماح وكيل إيران في اليمن".

 في الوقت نفسه، سيحاول الحوثيون بالتأكيد مفاجأة إسرائيل من جهاتٍ أخرى، كما وعدوا بذلك في الأسبوعين الأخيرين بعد تصفية حكومتهم. لديهم مجموعة متنوعة من الوسائل التي اكتسبوها من تجارب سابقة، والتي قد تشكل مصدر قلق حقيقي: قطع الكابلات البحرية، مما سيُعطّل الاتصالات الإقليمية؛ وتطوير قدرات صواريخ الحوثيين، مثل استخدام رأس حربي انشطاري شُوهد بالفعل في إسرائيل مرتين؛ واستئناف محاولات ضرب السفن في المنطقة اليمنية، على غرار إطلاق صاروخين على سفن، في الأسبوعين الماضيين، من مسافات بعيدة من الساحل؛ وحتى الاستعدادات لغزو بري لإسرائيل، وهو أمر فكروا فيه بالفعل عدة مرات، وأعلنه قادة الحوثيين علانية.

بشأن مدى قدرة الحوثيين على إطلاق هذه الأسلحة عبر صواريخ وطائرات مسيّرة باتجاه إسرائيل، قال بيتسور إن هذا خيار عملي بالتأكيد، وأوضح قائلًا: "هذا ممكن من الناحية الفنية، ويمكن أن ينجح في اجتياز كل هذه المسافة إلى إسرائيل رغم تغيرات الحرارة والبرودة". "يمكن وضع كمية صغيرة من هذه الأسلحة على طائرات مسيّرة. هذه الطائرات قادرة على حمل أي شيء من متفجرات بأوزان كبيرة إلى مواد أصغر. يبحث الحوثيون عن شيء يغيّر قواعد اللعبة، وقد يكون ذلك مواد كيميائية -غاز أعصاب مثل التابون والسومان والسارين، أو حتى غاز الخردل الحارق، كالتي تعرضوا لها من خلال الهجمات المصرية في الستينيات".

فيما يتعلق بالدفاع، يضيف بيتسور أنه لا يمكن الاعتماد فقط على إمكانية قدرة الجيش الإسرائيلي على اعتراض الصواريخ أو الطائرات المسيّرة التي تحمل الأسلحة الكيميائية، لأن نسبة نجاح الاعتراض لا يمكن أن تصل إلى 100%، وحتى نجاح اعتراض الوسيلة التي تحمل السلاح لا تضمن الحماية من تأثير المادة الكيميائية، ويشير إلى أن "هذه المواد تنقسم إلى مواد متطايرة وثابتة، ففي الحالة الأولى، إذا اعترض صاروخ أو طائرة مسيّرة تحمل مثل هذه المادة، فإنها ستتحول إلى غاز يتبخر بسرعة، ولذا، فإن اعتراضها على ارتفاعات عالية لن يُسبب أي ضرر. هذا ينطبق على كثير من غازات الأعصاب، باستثناء غاز VX، الذي يتميز بمادة ثابتة. قد يحاول الحوثيون تصنيع هذا النوع في مختبراتهم".

من المستحسن البدء بتجهيز السكان بتدابير دفاعية، كما كان الحال في حرب الخليج الأولى، لكن هذه العملية مكلفة للغاية وتتطلب موارد كبيرة، ولا يوجد ما يضمن نجاحها في جميع الحالات. يعتقد بيتسور: "ليس بالإمكان حماية جميع السكان بأقنعة الغاز، ولن نفعل أنظمة تنقية الهواء في الملاجئ". لذا يعتقد أن أفضل خطوة في هذه المرحلة تكمن أساسًا في مستوى التخطيط، ويقول إن معلومات تسليح الحوثيين بالأسلحة الكيميائية تأتي من الحكومة اليمنية التي تقاتلهم، ولذلك يجب أن نأخذها بيقين محدود. نشك فيها ونقدرها، ولكن مع ذلك نبقى مستعدين. بشأن التفكير الإسرائيلي حول ملف التهديد، لا توجد حتى الآن أسلحة كيميائية،" يقول. "لكن برأيي، علينا أن نبدأ بالتفكير فيما إذا كان هناك مجال لإعادة التهديد الكيميائي إلى دائرة الخطر. لم يفت الأوان بعد. الأمر لا يقتصر بالضرورة على الحوثيين، بل يشمل أيضًا جهات تهديد أخرى. علينا أيضًا التفكير في كيفية حماية من هذا التهديد على مستوى مبدئي".

حتى قبل ذلك، إحدى القضايا التي يجب تعزيزها هي الاستخبارات. أُعلن مؤخرًا أن الجيش الإسرائيلي يكثف جهوده في كل ما يتعلق بتدريب الجنود في وحدات جمع المعلومات المتعلقة باليمن، بهدف الوصول إلى "معلومة ذهبية" التي تشير إلى وجود جهود لتطوير أسلحة الدمار الشامل. المرحلة الثانية هي جمع المعلومات الاستخبارية اللازمة لإحباط العمليات، أي معلومات عن مواقع الإنتاج والتجارب، مما يسهم في تدميرها. يتفق بيتسور مع هذا الرأي قائلًا: "علينا أن نحاول فهم ما إذا كانت هذه المختبرات موجودة في صنعاء أو في أماكن مشابهة، وخاصةً تلك التي تعمل في مجال تصنيع الأسلحة الكيميائية".

في الوقت نفسه، ينبغي على إسرائيل مواصلة العمل على إحباط عمليات التهريب من إيران إلى الحوثيين، لأنها تعزز قوتهم بشكل عام، وقد تمكنهم من تسليح أنفسهم بهذه الأسلحة بشكل خاص. لذلك، يجب على الجيش الإسرائيلي ضمان عدم استخدام المطارات والموانئ لجلب البضائع من طهران، وتعقب المهرّبين لضربهم قبل وصولهم إلى وجهتهم، ويُوصى بمواصلة سياسة الاغتيالات واستهداف كبار الشخصيات الحوثية، والتركيز أيضًا على العلماء والمصنعين الذين قد يساعدهم مجال عملهم على التخصص في تطوير هذه الأسلحة.

يجب أن تكون مسألة تطوير أسلحة الدمار الشامل أيضًا على جدول أعمال الحوار الإسرائيلي مع حلفائنا حول العالم، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة. يجب علينا تبادل المعلومات الاستخباراتية مع نظرائنا حول العالم، وتلقي المعلومات منها، وطلب المساعدة في إحباط جهود التسلح ومكافحة التهريب إلى اليمن.

يوضح بيتسور: "حتى الآن، لم يستخدم الحوثيون مثل هذه الأسلحة، ولم يتجاوزوا هذا الخط الأحمر"، لكن إذا اتضح أن مثل هذه المادة أصابتنا، سوف يكون لها أثر في منطقة الهجوم، وستكشف الأضرار التي لحقت بالضحايا عن استخدام الأسلحة الكيميائية -وعندها سيجد الحوثيون أنفسهم في موقف انتهكوا فيه كل القيود والمحظورات العالمية.


هوامش

[1] إيلي كلوتستين: خبير علاقات دولية وباحث في الشؤون الأمنية. عمل نائبًا لرئيس تحرير الأخبار، ومحررًا للشؤون الخارجية في صحيفة ماكور ريشون، ومنسقًا للغة العبرية والإنجليزية في معهد أبحاث NGO Monitor.

[2] -المقدم (احتياط) آفي بيتسور: رئيس برنامج دراسات أمن وحماية الجبهة الداخلية في كلية بيت بيرل، شغل عدة مناصب في الجيش الإسرائيلي، منها رئيس فرع التحصينات في سلاح الهندسة، ونائب قائد لواء المظليين، وقائد مدرسة الدفاع الكيميائي والبيولوجي.

[3] -يوسي منشروف: باحث في شؤون إيران والإسلام في معهد مسجاف بحوث الأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية. يتحدث الفارسية والعربية. عمل باحثًا في مركز عزري للدراسات الإيرانية والخليج الفارسي، ومعهد ميمري. وتتركز دراساته حول الشأن الإيراني، والمليشيات الشيعية.

https://sanaacenter.org/ar/translations/25606 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تحية من اليمن: الساحة الوحيدة التي لم ينجح أحد في العالم من حسمها

يقول موقع جلوبس ، في 10 أكتوبر 2025 ، إن الحوثيين أثبتوا أنهم لا يرون أنفسهم جزءًا من اتفاقات وقف إطلاق النار الموقعة حتى ...