الجمعة، 12 ديسمبر 2025

بعد وقف إطلاق النار في غزة، هل سيهاجم الحوثيون السعودية؟

 

قال أري هيستين، على موقع يديعوت أحرونوت، في 5 نوفمبر 2025، إن الحوثيين يواجهون لحظةً مفصلية، وإن أبرز تحد يواجههم يتمثل في تعرض الاقتصاد لانكماش كبير، ويرجع ذلك إلى الضربات الإسرائيلية على شرايين الحياة الاقتصادية الرئيسة، وتشديد العقوبات الأمريكية، وتراجع المساعدات الإنسانية، ووجود سكان يرزحون بالفعل منذ سنوات تحت أعباء ضريبية باهظة؛ أما التحدي الثاني، فإنه يتمثل في رسم مسار استراتيجي بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، فقد أوقف الصراع المحوري الذي اعتمد عليه الحوثيون في العامين الماضيين لحشد الدعم السياسي المحلي؛ ثالثًا، بعد سنوات من استغلال المزايا التي تتمتع بها من التحالف الذي تقوده السعودية، تواجه الجماعة الآن خصمًا عنيدًا وبارعًا وجّه إليها في الأشهر الأخيرة عددًا من أشد الضربات في تاريخها، ويعتمد بقاء الجماعة على كيفية تعاملها مع هذه الأزمات المتداخلة.

هذه التحديات الثلاث، الاقتصادية والسياسية والعسكرية، متباينة ولكنها متداخلة. على سبيل المثال، لو كان الحوثيون قادرين على إدارة شؤونهم بكفاءة، ربما تحسنت أوضاعهم الاقتصادية، مما قد يعزز شعبيتهم ويقلل من الحاجة إلى التعبئة الدائمة، لكن الجماعة دمرت المؤسسات اللازمة لاستقرار النشاط التجاري، ومكّنت نفسها وشركائها من التحكم الكامل في كل قطاع اقتصادي رئيسي. إن إخفاقات الحكم متأصلة في جماعة الحوثي نفسها، لأنها تسخر موارد الدولة لخدمة مشروعها الأيديولوجي المتطرف.

مع ذلك، فإن سعي الجماعة الدؤوب وراء الإيرادات قد شكل مسارها في السنوات الأخيرة. خلال عامي 2020 و2021، سعت الجماعة إلى الاستيلاء على محافظة مأرب، التي تُمكّنها، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي باعتبارها بوابة إلى الجنوب، من السيطرة على صناعة النفط اليمنية. عندما فشلت تلك الحملة العسكرية، بحلول العام 2022، لجأت إلى الدبلوماسية القسرية، بالضغط على السعودية لدفع أموال للجماعة ("لإعادة الإعمار") لضمان استقرار الأوضاع على الحدود. أثناء مفاوضات الرياض وصنعاء، صعّد الحوثيون مطالبهم مرارًا، واضطرت القيادة السعودية المنهكة للتنازل. نبع ضعف موقف الرياض التفاوضي من رغبتها في إنهاء حرب مكلفة ومفتوحة، وتفاقم بسبب قناعة إدارة بايدن غير المبررة بأن إنهاء التدخل السعودي في اليمن سيحل الصراع.

مع ذلك، فشلت المفاوضات السعودية الحوثية في تحقيق نتائج قبل هجوم حماس المفاجئ في 7 أكتوبر 2023، على إسرائيل. بعد ذلك بأسابيع، انضم الحوثيون إلى بقية "محور المقاومة" الإيراني في حرب متعددة الجبهات على إسرائيل، وهجماتهم المستمرة على إسرائيل وسفن الشحن في البحر الأحمر أجبرت السعودية على تعليق مفاوضاتها مع صنعاء. تراجعت وتيرة مواجهة الحوثيين وتباطأت، لكنها اكتسبت زخمًا عام 2025، مع إطلاق الولايات المتحدة عملية "الراكب الخشن"، وعملية "قطرة الحظ" الإسرائيلية.

لا يزال الحوثيون يتبنون موقفًا أيديولوجيًا معارضًا للولايات المتحدة وإسرائيل، لكنهم يدركون أن التصعيد المستمر لن يخفف من نقاط ضعفهم الهيكلية. علاوة على ذلك، ألحقت الغارات الجوية الإسرائيلية والأمريكية، التي تسببت فيها الجماعة، أضرارًا بمئات الملايين من الدولارات بأصول الجماعة وبنيتها الأساسية الحيوية. هذا يوضح مساعي تحول الحوثيين نحو استئناف ابتزاز السعودية (وهي خطوةٌ أتاحها حاليًا وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس). في الأسابيع الأخيرة، وجهت الجماعة سلسلةً من التهديدات عبر وسائل إعلامها، مُحذرةً الرياض من دفع الثمن أو تحمل تبعات موجة جديدة من الهجمات.

رغم إعلان الحوثيين صراحة أن الخيارات المطروحة تنحصر في: إما اتفاق أو حرب مع السعودية، إلا أن الاحتمالين مستبعدان؛ فبينما يستمد الحوثيون نفوذًا كبيرًا من التهديد بصراعٍ مُدمر مع مملكةٍ تتفوق عليها كثيرًا من حيث الموارد، فإن أي هجومٍ فعلي على السعودية قد يُشعل حربًا تُقوّض موقف الحوثيين الهشّ أساسًا. مواجهة السعودية قد تُوفر للحوثيين شعورًا بالرضا الأيديولوجي، وتمنحهم ذريعة لتبرير الأوضاع الاقتصادية المُزرية في شمال اليمن، لكنها لا تُدرّ أي عوائد مالية، بل تثقل كاهلهم بكلفة عالية.

مع أن الحوثيين قد يرغبون في تكرار نجاحاتهم التي أحرزوها سلفًا في مواجهة السعودية، إلا أنه كما يُقال، الأشياء لا تبقى على حالها. هذه المرة، تراجع التعاطف العالمي مع الجماعة بدرجة كبيرة، ولن تتدفق عشرات المليارات من الدولارات من المساعدات الإنسانية إلى شمال اليمن، وقد تقتصر مساهمة إيران وحزب الله على تقديم دعم محدود للغاية، وأية مبادرات دبلوماسية جديدة ستواجه تدقيقًا أكبر من اتفاق ستوكهولم الفاشل لعام 2018. مع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن الحرب بالنسبة للحوثيين تبدو خيارًا أكثر خطورة بكثير مما كانت عليه في السابق. علاوة على ذلك، فإن استئناف هجمات الحوثيين قد يثبت للسعودية أن العدوان جزء من استراتيجية متعمدة للإكراه والابتزاز الدائمين، مما يُضعف حافز المملكة لدفع المال لمن يهددون بمهاجمتها.

لماذا لا يكون هناك اتفاق إذن؟

أولاً، التحول في ميزان القوى سيُجبر الحوثيين على قبول شروط أقل بكثير من التي كانت متاحة لهم عام 2023، وهو خيار مستبعد لجماعة معروفة بتصعيد مطالبها باستمرار؛

ثانياً، إذا ارتأت السعودية أن الحرب مستبعدة، وأنها قادرة على إدارة صراع محدود بدعم من حلفائها، فلن يكون لديها حافز كبير للانخراط في اتفاق من شأنه أن يُخفف فعلياً من وطأة التهديد على حدودها.

لتعزيز ردعها، ينبغي على السعودية أن تبعث رسالة واضحة مفادها أن أي هجوم على أراضيها السيادية سيستدعي رداً مؤلماً بدعم دولي واسع، وينبغي أن يكرس الرد العسكري تفاقم التحديات الداخلية التي تواجهها الجماعة. بالتوازي مع ذلك، ينبغي على الرياض توضيح أنها لن تُجبر على قبول اتفاق يجازف بتمكين الحوثيين من توسيع نطاق تهديدهم.

في الوضع الراهن، من المرجح أن يظل الحوثيون عالقين بين المواجهة والتسوية مع السعودية. إن قدرة الجماعة على تجاوز التحديات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الثلاثة المذكورة أعلاه، ستُشكل استقرارها على المدى المتوسط. جماعة الحوثيين هشة ومتهالكة إلى حد كبير على الرغم من استعراضها لأسلحة جديدة وأكثر تطورًا بصورة دورية، ومن المرجح أن تواصل الجماعة استفزازاتها المحدودة للخصوم الخارجيين دون مستوى الصراع الشامل، سعيًا لتجنب مخاطر حرب مكلفة مع الحفاظ على الروح المعنوية المحلية وردع أعدائها.

قد تتطور استراتيجيتها الأوسع لتشبه استراتيجية كوريا الشمالية: تعزيز السيطرة المطلقة على أراضيها مع تنويع مصادر الدخل في الخارج عبر بيع السلع والخدمات لمن يدفع أكثر، ومن بينها الشبكات الإجرامية والإرهابية. في الوقت نفسه، فإن شهية الجماعة الواضحة للمخاطرة، وسيطرتها المركزية للغاية من قبل كادر صغير من القادة، وسجلها الحافل بالمفاجآت الاستراتيجية تجعلها غير قابلة للتنبؤ وعرضة لسوء التقدير.


أحمد الديب

باحث في الشأن الإسرائيلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القوات المدعومة من الإمارات تسيطر على حزام النفط في الجنوب ما يُعيد تشكيل الحرب وميزان القوى في الخليج

قال جيمس جين على موقع جيروزاليم بوست، في 10 ديسمبر 2025، إن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، شنّ هجومًا عسكريًا في جنوب اليمن، ...