الجمعة، 21 يناير 2011

حكماء مناهضة صهيون / أوري أفنيري


انتابت جسدي كله رجفة.

لقد شوهد في التلفزيون رجل أنيق، وهو مدير عام جمعية تُدعى "رِؤوت". هدف هذه الجمعية هو متابعة محاولات نزع شرعية دولة إسرائيل.
كانت الاكتشافات التي نجح في الكشف عنها تثير القشعريرة بالفعل. قال أن أعداء إسرائيل كفّوا عن الإيمان بإمكانية القضاء على إسرائيل بقوة السلاح. لذلك تحوّلوا إلى معركة أكثر خطورة: التسبب في انهيار إسرائيل بواسطة نزع شرعيتها.
ما كان يبدو لنا حتى الآن مبادرة محلية تبادر إليها مجموعات صغيرة في دولة مختلفة لم تعد كذلك. إنها بعيدة كل البعد عن ذلك! توجد هنا مؤامرة عالمية، منظمة ومُرشدة بشكل جيد، لا تبخل بأي وسيلة من الوسائل لتحقيق مآربها الغاشمة. فخلافا لـ"بروتوكولات حكماء صهيون"، وهو المستند المزيف الذي تم اختراعه قبل مائة عام، يوجد هنا رابط حقيقي بالفعل وهو "بروتوكولات حكماء مناهضة صهيون".
ثمة عنصر واحد فقط لم يكشف الخبير النقاب عنه: أي هي الزعامة السرية لهذه المؤامرة العالمية.
يسرني أن بإمكاني أن أوفر هذا العنصر الناقص. هذا اكتشاف عجيب بالفعل: القيادة العليا لحكماء مناهضة صهيون موجودة في القدس.
جمعية "رؤوت" هي مجموعة من الهُواة، الذين يتعاملون مع الأعراض السطحية. لذلك أخذت على نفسي مهمة الكشف عن الحقائق المطلوبة لإجراء تحقيق متعمق.
من هم عملاء المؤامرة، التي تهدد الآن شرعية دولة إسرائيل. من هم الذين يزوّدون الذخيرة لكافة المجموعات المعادية لإسرائيل في العالم؟
ها لكم قائمة أولية بأسماء الأخطر من بينهم:
يتصدر هذه القائمة بطبيعة الحال أفيغدور ليبرمان، المدعو "إيفيت"، والذي تسلل بدهاء إلى مكتب وزير الخارجية في دولة إسرائيل.
في فترة لم تزد على سنة ونصف السنة، نجح ليبرمان في تقويض شرعية دولة إسرائيل، دونما رجعة، في دول كثيرة في العالم.
إن نجاحه في تعيينه وزيرا للخارجية، هو إنجاز مثير للدهشة بحد ذاته. لقد اهتم بادئ ذي بدء، بأن يشتهر في العالم كله كعنصري غير مكبوح الجماح، إذ أن جان ماري له بين الفرنسي ويورغ هايدر النمساوي، هما ديمقراطيان نقيّان مقارنة به. يصنفه دبلوماسيون كثيرين بأنه فاشي واضح. منذ تعيينه في منصبه، يرفض كثيرون من زملائه في العالم أن يظهروا بصحبته. إنهم يهربون منه كهروبهم من النار.
منذ ذلك الحين، نجح ليبرمان في أن يجعل إسرائيل مكروهة في دولة كثيرة. لقد كنّى مواطني السويد والنرويج بكنية اللا ساميين. لقد أهان تركيا حين قام نائبه بإهانة السفير التركي وأجلسه على مقعد منخفض. قال عن الرئيس المصري "فليذهب إلى الجحيم". يبدو وكأنه يجلس في مكتبه، يدير مجسم الكرة الأرضية ويسأل نفسه: "أي دولة سأهين اليوم؟"
لقد وصل الآن إلى حالة لم تعد أي دولة فيها تقريبا مستعدة لاستقباله، إلا مرغمة. إن نشاطاته كوزير للخارجية أصبحت محدودة في أربع دول تقريبا، وهي تلك التي تربطها علاقة بأصله: مولدافيا، بلروس، أوكرانيا وكزاخستان. ما الذي يمكن لوزير للخارجية أن يفعله من أجل نزع شرعية دولته؟
ولكن يوجد لليبرمان منازع جدي جدا: وزير الدفاع إيهود براك.
لقد نجح في الأيام الأخيرة بإحداث أمر يكاد يكون أعجوبة: لقد حوّل الجيش اللبناني إلى عدوّ لإسرائيل.
بهدف تقييم حجم هذا الإنجاز، يجب أن نتذكر أنه قبل أربع سنوات فقط، طالبت إسرائيل مشترطة أن ينتشر الجيش اللبناني على امتداد الحدود مع إسرائيل. كان ذلك أحد شروط إسرائيل لإنهاء حرب لبنان الثانية. لقد أقر الخبراء الاستراتيجيون في القدس أن الجيش اللبناني فقط هو القادر على ضمان الهدوء على الحدود. وقد نظروا بازدراء إلى قوات اليونيفيل الدولية.
شرع الجيش اللبناني هذا الأسبوع بإطلاق النار على الجيش الإسرائيلي وقتل قائد كتيبة. كيف حدث ذلك؟ توجد بين السياج الحدودي وبين الحدود الدولية التي حددتها منظمة الأمم المتحدة، في عدة مواقع، قطاعات صغيرة معزولة. من الناحية القانونية هي تابعة لإسرائيل. أما من ناحية الملكية على الأرض، فإنها تابعة للقرى اللبنانية. لقد قرر الجيش الإسرائيلي "تقليم" الأشجار في هذه المناطق من أجل "الكشف" (وهي كلمة وُلدت في مِغسلة الكلمات المشهورة التي يطلقها الجيش الإسرائيلي، ومعناها الاقتلاع و/أو الإبادة).
أعلن اللبنانيون مسبقا أنهم يعارضون الأمر. طلب اليونيفيل تأجيل العملية لعدة أيام، حتى يعود قائدها من خارج البلاد ويتمكن من لعب دور الوساطة. رفض الجيش الإسرائيلي ذلك وأرسل جرافة. في اللحظة التي مرت فيها ذراع هذه الجرافة فوق السياج، شرع الجيش اللبناني بإطلاق تحذيرات، ثم إطلاق نار.
هل كان لشخص طبيعي أن يخاطر بعلاقاته مع الجيش اللبناني من أجل أوراق شجرة؟ بالتأكيد لا. يثبت هذا الأمر بشكل غير مؤول أن براك يعمل بإمرة حكماء مناهضة صهيون.
ولكن لم تكن هذه سوى الحادثة الأخيرة. تفوقها بكثير الحرب على غزة ("الرصاص المسكوب"). لا حاجة لتكرار تفاصيل تلك الحملة - قتل المواطنين بالجُملة، ومن بينهم النساء والأطفال، تدمير المنازل، ومن بينها مساجد ومدارس، استخدام أسلحة فتاكة بشكل خاص، مثل الفوسفور الأبيض، منع الجرحى من تلقي المساعدة الطبية، سد طرق الفرار وغيرها وغيرها.
لقد أدت حملة "الرصاص المسكوب" إلى استنكار عالمي. نشأت في العديد من الدول جمعيات مناهضة لإسرائيل كما ينبت الفطر بعد المطر. لقد تحولت غزة النائية والمعزولة إلى محط أنظار الاهتمام العالمي.
ولكن هذا الأمر لم يكن كافيا لبراك. لقد أرغم الحكومة على مقاطعة لجنة التحقيق التي عينتها الأمم المتحدة، والتي تم تنصيب قاض يهودي-صهيوني ليترأسها. لقد أدان تقرير اللجنة إسرائيل بجرائم حرب مفصلة. وعوضا عن التحقيق، الاعتراف، التعويض والاعتذار، شن براك حملة من التشهير الشخصي ضد القاضي، مما زاد الضرر اللاحق بإسرائيل أكثر فأكثر. عندها فقط، فتح الجيش الإسرائيلي تحقيقات داخلية، أكدت منذ فترة وجيزة الادعاءات الرئيسية الواردة في تقرير غولدستون. ماذا يقول هذا الأمر عن براك؟
غير أن هذا كله لم يكفيه. لقد أبدى جلّ قدرته على التسبب بنزع شرعية إسرائيل في قضية الأسطول البحري إلى غزة. لو سُمح للسفن بأن تحضر حمولتها الرمزية الصغيرة إلى غزة، لكان الأمر سيُنسى بعد يوم أو يومين. لقد أحرزت العملية العسكرية التي نفذها براك نتيجة عكسية: ها هو العالم يضج منذ أشهر، وقد تحول الطوق على غزة إلى مركز الاهتمام الدولي، وتضررت العلاقات الحيوية مع تركيا بشكل غير مرتجع.
حين طالبت الأمم المتحدة إسرائيل بالتعاون معها في موضوع التحقيق الدولي، لم يكترث براك لذلك. وبدل تعيين لجنة تحقيق رسمية على الأقل، تم تعيين لجنة من دون تخويل، من دون صلاحية ومن دون مصداقية. وبعد أن تم التسبب بكل هذا الضرر، وافقت إسرائيل هذا الأسبوع على التعاون، على الرغم من ذلك، مع لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، حسب المقولة المشهورة: لقد أكلت إسرائيل السمكة المتعفنة، تم جلدها وطردها من المدينة أيضا.
ليس هناك أي شك: يجب على حكماء مناهضة صهيون أن يمنحوا براك وسام "بطل نزع الشرعية".
قد يستحق وزير الداخلية، إيلي يشاي، المرتبة الثالثة.
إسرائيل، كما هو معروف، هي دولة الناجين من الكارثة، دولة تجسد القيم الأخلاقية التي يتمتع بها الشعب اليهودي. هذا هو العمود الداعم لترويجنا الإعلامي.
إن الإثبات القاطع على هذا الادعاء كان من المفترض أن يكون نظرتنا إلى اللاجئين المساكين، من الناجين من أعمال المجازر والذي يطلبون ملجأ، وقد نجحوا في الوصول إلينا. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا قرر وزير الداخلية أن يستخدم كافة الوسائل لإثبات العكس؟
منذ سنوات، تنكّل وزارة الداخلية باللاجئين من أفريقيا ومن أماكن أخرى. اللاجئون من دارفور، الذين يخاطرون بحياتهم من أجل الدخول إلى إسرائيل من صحراء سيناء، تتم ملاحقتهم في الشوارع من قبل فيالق صيد خاصة، يتم احتجازهم في السجن وطردهم بعد ذلك.
قررت الحكومة هذا الأسبوع رسميا طرد 400 من أولاد اللاجئين الذين ولدوا في البلاد، الذين يتحدثون العبرية والذين لم يعرفوا وطنا آخر لهم قط. هذا الأمر يثير ذكريات تقشعرّ لها الأبدان من الثلاثينات، حين لم يجد لاجئون يهود من ألمانيا النازية ملجأ لهم في أي دولة وتمت إعادتهم إلى الجحيم.
صحيح أن إسرائيل هي ليست الدولة الوحيدة التي تنكّل بـ"المقيمين غير القانونيين". تشاركها في ذلك دول كثيرة، ابتداء بالولايات المتحدة وانتهاء بفرنسا. ولكن إسرائيل من المزمع أن تكون دولة اليهود، والتنكيل بأولاد اللاجئين هو مس فتاك بأساس شرعيتها.
والقائمة طويلة. إن العمود الداعم الثاني للشرعية الإسرائيلية هو كونها "الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".
إذا كان الأمر كذلك، فماذا يمكن أن نقول عن القاضي المقدسي الذي أدان رجلا باغتصاب امرأة ضاجعته بمحض إرادتها بعد تعارف دام دقائق معدودة فقط، لأن ذلك الرجل المُقرف أخفى عنها حقيقة كونه، عربيا؟.
ماذا يمكن أن نقول عن وزير الشرطة الذي يدعم بشكل علني شرطي أسند مسدسا إلى رأس سارق وقتله من مسافة صفر، في حين كان الرجل يجلس في سيارته ويحاول الهرب، لأن السارق هو عربي؟
كل هذه الأعمال، وأعمال كثيرة أخرى، تساهم يوميا في المؤامرة العالمية، التي هدفها الوحيد هو نزع شرعية دولة إسرائيل. والسؤال الذي يطرح نفسه: من هو زعيم هذه المؤامرة؟
كل الإثباتات تشير إلى اتجاه واحد: الرجل الذي عين كل هؤلاء العملاء في مناصبهم، والذين يلحقون ضررا يوميا لا يمكن تصحيحه: بنيامين نتنياهو. خلف مظهر السياسي الفاشل، يختبئ متآمر دولي.
لقد تم تأليف "بروتوكولات حكماء صهيون" كما هو معروف، من قبل الشرطة السرية التابعة للقيصر الروسي، التي استخدمت كرّاسة تمت كتابتها في القرن التاسع عشر ضد نابليون الثالث.
أما "بروتوكولات حكماء مناهضة صهيون" فهي تُكتب في أيامنا هذه على يد بنيامين نتنياهو وزمرة من أصدقائه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق