يوم السبت في العقيدة اليهودية
يعتبر يوم السبت من الركائزالأساسية التى بنيت عليها العقيدة اليهودية. ففي يوم السبت المبادئ الرئيسية للفكرالإسرائيلي ويتجلى ذلك في عناصر ثلاثة:
1- تذكرة لعملية الخلق.
2- تذكرة للخروج من أرض مصر.
3- وحدة وقداسة الشعب الإسرائيلي.
ويوم السبت في العقيدة اليهودية ليس يوماً اجتماعياً أو يوماً للراحة فقط لكنه يوماً مقدساً أيضاً. فالسبت يرمز إلى العلاقة بين الإله وشعبه إسرائيل وذلك دلالة على العهد الأبدي بينهما كما ذكره سفرالخروج 16:31-17 "ليحفظ بنو إسرائيل السبت ويحتفلوا به في كل أجيالهم عهداً أبدياً. هو بينى وبنى إسرائيل علامة عهد إلى الأبد…"
مسميات يوم السبت
1- اليوم السابع
أطلق سفر التكوين على يوم السبت "اليوم السابع" وذلك للدلالة على استمرارالعمل لمدة ستة أيام متتالية في الخلق واكتمال العمل في اليوم السابع. "وفى اليوم السابع أتم الله عمله الذي قام به فاستراح فيه من جميع ما عمله" .
2- سبت الراحة
يقول الحكماء أنه من أجل إتمام عملية الخلق فقد تم خلق الراحة فى اليوم السابع ففي يوم السبت تم خلق الراحة.
3- السبت
وهو التوقف عن العمل وذلك الذي يميز اليوم السابع "اعمل ستة أيام فقط وفى اليوم السابع تستريح" . لذلك تم تسميته بيوم السبت. "احفظوا يوم السبت لأنه مقدس لكم" .
4- سبت أورشليم
إن ما يميز يوم السبت ليس الراحة فقط من العمل لكن الروح الخاصة التي تسوده، والأعمال التى أساسها تقديس يوم السبت "وبارك الله اليوم السابع وقدسه" ، "احفظوا يوم السبت لأنه مقدس لكم" .
5- سبت السلام
أطلق على يوم السبت هذه التسمية لأن أساسه هو السلام فالروح تهدأ ويعم السلام كل شئ وتحيط الملائكة الإنسان حتى أصبحت تحية يوم السبت المعروفة "شبات شالوم" (سبت السلام).
6- سبت الملكة
تشبيه يوم السبت بالملكة يأتى ليدل على أهمية وتقدير هذا اليوم فقد وصف حكماء التلمود استقبال يوم السبت كاستقبال الملكة. فيقول الحاخام حنينا عند مقدم يوم السبت "هلم نذهب ونستقبل السبت الملكة". وقد انتشر استخدام هذا التعبير فى الأدب المدراشى وفى الأشعار الدينية.
يوم السبت فى المصادر اليهودية
1- فى العهد القديم
يذكر يوم السبت فى العهد القديم فى بداية سفر” التكوين” فى قصة الخلق.
"وهكذا اكتملت السماوات والأرض بكل ما فيها، وفى اليوم السابع أتم الله عمله الذي قام به فاستراح فيه من جميع ما عمله وبارك الله اليوم السابع وقدسه، لأنه استراح فيه من جميع أعمال الخلق" .
يظهر فى هذه الفقرات مضمون يوم السبت والراحة من العمل كما تظهر قدسيته فى الوصايا العشر فى الوصية الرابعة والدعوة إلى ضرورة الحفاظ عليه: "أذكر يوم السبت لتقدسه ستة أيام تعمل وتقوم بجميع مشاغلك أما اليوم السابع فتجعله سبتا للرب إلهك…" ، "ستة أيام تشتغل وتقوم بجميع أعمالك أما اليوم السابع فيكون يوم راحة للرب إلهك ، لا تقوم فيه بأي عمل أنت وابنك وعبدك وأمتك وثورك…" ، "ستة أيام تلتقطونه وأما اليوم السابع فهو سبت ولن تجدوا فيه طعاماً" .
تتكرر الدعوة إلى عدم تدنيس يوم السبت مرات كثيرة فى العهد القديم ويظهر ذلك فى توبيخ الأنبياء الذي يحرم تدنيس يوم السبت ويذكر بالعواقب الوخيمة لذلك : "وحلفتلهم فى البرية أن أفرقهم بين الأمم وأشتتهم عبر البلدان لأنهم لم يطبقوا أحكامي بل تنكروا لفرائضي ودنسوا أيام سبوتى وتعلقت عيونهم بأصنام أبائهم" .
2- فى المشناه والتلمود
تم تخصيص فصول كاملة فى المشناه "فصل السبت" لشرح وتوضيح الوصايا والأحكام الخاصة بيوم السبت والحفاظ عليه. ويتضح منها تفرد يوم السبت وروحه الخاصة . أما فى المدراشيم فقد كثر الحديث عن أهمية وقيمة يوم السبت ويذكر المدراش "قال الله تقدس اسمه لإسرائيل: لو استطعتم الحفاظ على السبت فإنه عندي كأنما حافظتم على جميع وصايا التوراة ولو دنستموه فإنه عندي كأنما دنستم جميع الوصايا"
تحريم العمل يوم السبت
تحريم العمل يوم السبت هو السمة الرئيسية لهذا اليوم كما ذكر فى الوصايا العشر. كما حذر الله من العمل فى ذلك اليوم وأن العقاب سوف يكون شديداً "قل لبنى إسرائيل احفظوا أيام سبوتى… احفظوا يوم السبت لأنه مقدس لكم، من يدنسه حتما ًيمت فكل من يقوم فيه بعمل تستأصل تلك النفوس ممن بين قومها." . يتطلب هذا العقاب الشديد المنتظر لمن يعمل فى يوم السبت تفسيرا واضحا ودقيقا لهذا العمل ولم يتم شرح ذلك وتحديده فى العهد القديم لكن تم تفسير ذلك فى الشريعة الشفهية. فذكر العهدالقديم أربعة أنواع من الأعمال المحرمة فى يوم السبت "جمع المن فى الصحراء" (الخروج 16) والحصاد والحرث (الخروج 34) وإشعال النيران "لا توقدوا نارا فى بيوتكم فى يوم السبت" جمع الحطب . كما يوجد فى أسفار الأنبياء بعض التحريمات الأخرى لبعض الأعمال فى يوم السبت مثل نقل الأشياء من مكانها إلى مكان أخر وتحريم التجارة .
أما فى فصل يوم السبت فى المشناه فقد تم شرح هذه التحريمات بالتفصيل ومن أشهر من كتب فيها من كبار الحاخامات الحاخام يوحانان والحاخام لاكيش اللذان عملا على تحديد وتصنيف الأعمال المحرمة فى يوم السبت لأكثر من ثلاث سنوات. وقسما الأعمال المحرمة فى يوم السبت إلى تسعة وثلاثين نوعاً يضم كل نوع تفصيل للأعمال المشابهة له أو النابعة منه وأطلقوا عليها (تولدوت) وتم تقسيم هذه المحرمات إلى عدة أقسام أشهرها:
1- أعمال من أجل تجهيز الطعام
2- أعمال من أجل صنع الملابس
3- أعمال من أجل الكتابة
4- أعمال من أجل البناء
الانتقال من مكان إلى مكان
على الرغم من التحريم الشديد للعمل فى يوم السبت إلا أنه إذا تعرضت حياة الإنسان للخطر فمن المسموح بل من الواجب القيام بأي عمل من شأنه أن ينقذ حياة إنسان. لأن الشريعة شريعة حياة والعمل من أجل ذلك فى يوم السبت ليس تصريحا فقط لكنه وصية لأن تقديس الحياة أهم من تقديس السبت.
الإستعداد ليوم السبت
يجب الاستعداد لاستقبال يوم السبت بالفرح والبهجة وذلك من الوصايا وأن من يقم بذلك فإن الله يستجيب لدعواته "ابتهج بالرب فيمنحك بغية قلبك" . إن المكانة الكبيرة التي يحظى بها يوم السبت فى العقيدة اليهودية تستدعى استقباله بالفرح والبهجة والاستعداد له مادياً معنويا ًوذلك بارتداء الملابس المناسبة لذلك وتنظيف البيت وأدواته والاشتياق إلى هذا اليوم. ونظراً لتمييز يوم السبت عن بقية الأيام الأخرى فتجهز أنواع من الطعام خاصة به فقط ومن أشهر الأطعمة التى يتميز بها يوم السبت هو أرغفة الخبز المعروف باسم "حللا: خبزأبيض من الدقيق حلو المذاق" يتم تجهيز هذا الخبز فى يوم الجمعة ويوصى أن يعطى الفقراء منه كى يستطيعوا هم أيضا الاحتفال بيوم السبت.
ليلة السبت
تقوم النساء فى يوم الجمعة بإعداد الطعام وتجهيز احتياجاتهن ليوم السبت ويساعدها فى ذلك أفراد الأسرة. ويحاول الجميع المساعدة فى ذلك اليوم للنيل من بركاته. ويذكر التلمود الكثير من الشخصيات التى كانت تساعد فى العمل استعدادا لاستقبال يوم السبت. و أنه يستحب النوم فى هذا اليوم أو النوم حتى ساعة متأخرة ويجوز تأخير صلاةالصبح.
ملابس السبت
يتم الاستحمام بنية الطهارة استعدادا ليوم السبت واستبدال الملابس وارتداء الملابس الخاصة بيوم السبت احتراماً وابتهاجاً بمقدمه. وتختلف ملابس السبت من طائفة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر وفقا لعاداته.
شموع يوم السبت
تضاء الشموع فى ليلة السبت قبل غروب الشمس كل مدينة حسب توقيت غروب الشمس فيها. واعتادت بعض الأماكن النفـخ فى البوق إعلانا عن دخول السبت وهذا من العادات القديمة. تحكى الجماراه أنه كان ينفخ فى البوق ست مرات من أجل حث الناس على سرعة الانتهاء من عملهم وإكمال الاستعدادات ليوم السبت قبل دخوله وإضاءة الشموع. أما اليوم فيتم الإعلان عن موعد غروب شمس الجمعة ودخول السبت فى الصحف ووسائل الإعلام المختلفة. توضع هذه الشموع فى شمعدان خاص بيوم السبت ويمكن الاكتفاء بإضاءة شمعة واحدة فقط لكن المعتاد إضاءة اثنتان الأولى تقابل "تذكر" والثانية "احفظ" وهماإشارة إلى الفقرتين التى أشير فيهما إلى حفظ يوم السبت. وكى لا تشير الشمعة الواحدة إلى "الروح" والتى هى علامة على الحزن لفقدان شخص عزيز. كما يضئ البعض أحيانا سبع شمعوع إشارة إلى أيام الأسبوع، أو تضاء الشموع بعدد أفراد أهل البيت. واعتادت بعض الطوائف اليهودية فعل الخيرات استقبالاً ليوم السبت. تقوم المرأة بإضاءة الشموع وهى مرتدية أبهى ثيابها وتضع يدها على عينيها وتقول :"أن أشعل شمعة السبت" ثم تصلى من أجل سلامة أبنائها وأفراد أسرتها وتدعو أن يستنيروا بنور التوراة وأن تحيطهم البركة. والبيت الذى لا توجد فيه امرأة يضئ الرجل الشمعة بنفسه. ومن يدخل عليه السبت ولم يقم بإضاءة الشمعة فلا يضيئها حتى لا يدنس يوم السبت.
مائدة السبت
يتم تجهيز المائدة بالشموع المضيئة، والخبز الخاص بيوم السبت والخمرللتقديس عليه والأدوات ويجلس أفراد الأسرة والضيوف لوجبة السبت. يجب تجهيز المائدة قبلها بيوم قبل دخول السبت ويوضع فرش على المائدة ترتب عليه أدوات الطعام ويوضع الخبز على رأس المائدة ويغطى. ووفقا للموروث يتم وضع قطعتان من الخبز وذلك طبقا لوصية السبت "أذكر" و"أحفظ" "أما فى اليوم السادس فكانوا يلتقطون من الخبز الضعف أيعمرين لكل واحد.." . يتم وضع الخمر فى كأس خاص بالتقديس وهو مصنوع فى معظمه من الفضة ومزخرف بطريقة فنية.
التقديـس
يظهر التعبير عن روح يوم السبت فى التقديس، وهو البركة الخاصة التى تتلى على الخمر قبل وجبة ليلة السبت. وأصل هذاالتقديس "أذكر يوم السبت لتقدسه". هناك ثلاثة أفكار رئيسية فى التقديس:
1- تذكرة بعملية الخلق والتكوين.
2- تذكرة بالخروج من أرض مصر.
3- تقديس السبت وتفضيله على الأيام الأخرى ومنحه لبنى إسرائيل.
يبدأ التقديس بفقرات من سفر التكوين "وهكذا اكتملت السماوات والأرض" ثم بركة على الخمر "خالق ثمار العنب" ثم بركة يوم السبت "والسبت قدسه بحب ورضا فقد أعطانا ذكرى أعمال الخلق لأنه أول أيام التقديس ذكرى الخروج من مصر. لأنك اخترتنا وقدستنا بين كل الشعوب وأورثتنا سبت قدسك بحب ورضا. مبارك أنت إلهى مقدس يوم السبت". كما يقال هذا التقديس بعد صلاة ليلة السبت فى المعبد.
صلوات السبت
تتميز صلوات يوم السبت فى روحها عن الصلوات الأخرى وذلك من خلال الجو العام فى المعبد والملابس الخاصة بالمصلين وتكون صلاة السبت أطول من الصلوات العادية نظرا لإضافة بعض الفقرات من سفر المزامير لا تقال فى الأيام العادية. وتسبق صلاة ليلة السبت صلاة استقبال السبت. كما يتم اختصار صلاة الوقوف (صلاة الثمانية عشر) إلى سبع بركات بدلا من تسع عشرة بركة فى الصلوات الأخرى. وهناك صلاة خاصة بيوم السبت تقام بعد صلاة الفجر. أما عن قراءة التوراة فتكون فى يوم السبت أطول من الأيام الأخرى (الاثنين والخميس) كما تكون الدعوة لتلاوة التوراة لسبعة أفراد وليس لثلاثة فقط كما فى يومي الاثنين والخميس. وتكون القراءة الأولى للكاهن والثانية للاوى. ويشارك المصلون فى تلاوة المزامير. ويقوم بتلاوة التوراة الشخص البالغ فقط.
صلاة من أجل سلامة الدولة
بعد الانتهاء من قراءة التوراة تتلى صلاة خاصة من أجل سلام دولة إسرائيل وتبدأ الصلاة بـ "أبانا الذى فى السماء مخلص إسرائيل بارك دولة إسرائيل…" ويدعون فى هذه الصلاة من أجل نجاح الدولة وقادتها وجيشها "اللهم ساند حماة أرض قدسنا وأيدهم بالنصر وامنح السلام فى البلاد والبهجة لساكنيها… وأن نحظى سريعا بجمع شمل أبناء شعبنا من دول الشتات إلى بلادنا".
أيام سبت خاصة
حظت بعض أيام السبت خلال العام بمكانة خاصة وأصبح لكل منها صفة خاصة بها:
- سبت التوبة: هو يوم السبت بين رأس السنة وعيد الغفران ويدعو الحاخام فى هذا اليوم إلى التوبة "إرجع تائبا يا إسرائيل إلى الرب إلهك"
- سبت التكوين: هو السبت الأول بعد عيد سمحات توراة وهو الذى يبدءون فيه من جديد قراءة التوراة.
- سبت الأنشودة: تقرأ فيه أنشودة البحر من سفر الخروج 15ويقع بين العاشر والسابع عشر من شهر شباط العبرى.
- السبت الكبير: يقع قبل عيدالفصح مباشرة.
- سبت الشهر: السبت الذى يسبق بداية شهر نيسان العبرى.
- سبت التذكرة: وهو السبت الذى يسبق عيد البوريم.
- سبت النبوءة: السبت الذى يسبق التاسع من شهر آب وتتلى فيه نبوءة أشعياء.
- سبت العروس: السبت الذى يسبق عيد الأسابيع.
- سبت المباركين: السبت الذى يسبق بداية الشهر العبرى الجديد.
- سبت العزاء: السبت الذى يسبق سبت بداية شهر نيسان حيث يقرأ فيه فصل البقرة الحمراء من سفر العدد 19.
- سبت شقاليم: السبت الذى يسبق بداية شهر آذار حيث يقرأ فصل شقاليم من سفر الخروج 30.
-
بعد انتهاء يوم السبت يسود جو من الحزن على انتهاء هذا اليوم وتتلو المرأة دعاء تقول فيه: "إلهى رب إبراهيم واسحق ويعقوب، احفظ شعبك إسرائيل الذى أحببته وحفظته من كل شئ لأنه قد انقضى يوم السبت يوم نعمتنا يوم السبت المحبب إلى قلوبنا وابعث لنا بأيام العمل القادمة بالصحة والخير والرزق الوفيروالحظ والسعادة والتوراة وعمل الخير والكرامة والثراء وارزقنا خشيتك واجتناب المعاصي وامنحنا أسبوع سلام وخلاص لنا ولكل بنى إسرائيل. آمين"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق