الأحد، 1 ديسمبر 2024

انتصار للحوثيين والصين

 

انتصار للحوثيين والصين

المصدر: jewishpolicycenter | تاريخ النشر: 2 أكتوبر 2024| لغة المصدر: الإنجليزية| كاتب التقرير: ديفيد ورمسر | مقتطف من التقرير

شنت الجماعة "الإرهابية" وشبه دولة الحوثيين في اليمن قبل عام هجمات بطائرات مسيّرة على إسرائيل من مسافة بعيدة، ثم شرعت في مهاجمة السفن المارة عبر القنوات الضيقة التي تفصل البحر الأحمر عن خليج عدن. أدت هذه الهجمات إلى إيقاف معظم التجارة البحرية العالمية التي تمر عبر هذا الطريق مما أحدث تأثيرًا مدمرًا.

 حذرت الولايات المتحدة مرارًا كلًا من الحوثيين وإيران بأنها سترد على الهجوم الذي يستهدف النقل البحري. لكن طابع الرد الأمريكي تجسد في المفهوم الأوسع لما تسميه إدارة بايدن مشروعية "الدفاع عن النفس".

 لقد أماطت إسرائيل اللثام عن وهن حدود الاستراتيجية الأميركية -التي فشلت منذ أكتوبر 2023، في وقف أو ردع هجمات الحوثيين -حيث ضربت أخيرًا، في يوليو الفائت، الموانئ اليمنية وألحقت بها ضررًا هائلًا حتى أنها أدت إلى عدم شن هجمات بعيدة المدى على إسرائيل لما يقرب من شهرين، كما أن السفن المارة عبر البحر الأحمر لم تتعرض لهجمات كبيرة لمدة شهر.

 استبدال الإرادة الأميركية

القوة الأميركية تتراجع الآن؛ بسبب فقدان الإرادة اللازمة للالتزام بتأمين الممر البحري الحيوي في مضيق باب المندب، عبر البحر الأحمر وقناة السويس، لربط أوروبا وآسيا، والإنتاج والاستهلاك. لكن الدولة التي تحركت لتحل محل القوة الأميركية المتراجعة هذه المرة لا تؤيد التجارة الحرة العالمية أو حرية الملاحة. إنها ليست قوة داعمة للاستقرار، بل تسعى إلى تقويض سيادة الدول عبر تمكين الهيئات الدولية التي تسيطر عليها.

 تملأ جمهورية الصين الشعبية الفراغ الذي خلفته القوة الأميركية بقوة وتدمجه بدقة في مبادرة "الحزام والطريق" التي تشكل تحديًا استراتيجيًا وتحاول إقامة نظام جديد من القواعد الدولية التي تسعى إلى تقويض القوة والسيادة الأميركية، وقد نجحت بكين في تحاشي التهديد الذي يشكله الحوثيون على الشحن الدولي وإغلاق مضيق باب المندب ومن خلاله البحر الأحمر بأكمله -ممر العبور في قناة السويس بشكل أساسي.

البديل الصيني

بعد فترة وجيزة من بدء الإغلاق، وضعت الصين مع الحوثيين وإيران استراتيجية لتشكيل هيكل شحن بديل وآمن -مركز تنسيق يسمح به الحوثيون (وبالتبعية المرور الذي تسمح به إيران عبر مضيق هرمز) للمرور بأمان عبر مضيق باب المندب.

 إن الهيكل التنظيمي الدولي الفعلي الناشئ ومركز التنسيق، يمنعان أية شحنات نقل بحرية متجهة إلى إسرائيل مباشرة أو غير مباشرة.

بعبارة أخرى، إذا كان لشركة ميرسك للشحن أي تواصل مع إسرائيل، فإن خط ميرسك بأكمله -حتى الطرق التي لا علاقة لها بإسرائيل -لن يتمكن من المرور بأمان. هكذا، بدأ الحوثيون، بمساعدة صينية وروسية، في إنشاء ممر شحن آمن عبر القناة والمضيق، والذي يبدأ بدوره في حظر التجارة الأميركية والأوروبية التي لا تنظمها جماعة الحوثيين.

تعمل الصين على إنشاء هيكل شحن كامل يحظر على أميركا، وكذلك على إسرائيل وحلفائها، دخوله إذا لم يلتزموا بالولاء للحوثيين، ويعمل الحوثيون عن كثب في هذه القضية بالذات -بصرف النظر عن تعاون الإيرانيين -مع الصينيين، ويعمل الصينيون على إنشاء هيكل شحن بديل يقوّض إحدى الوظائف الأساسية للبحرية الأميركية، والتي بموجبها تكون الضامن الحقيقي لحرية البحار.

ماذا يحدث

إن الصورة المدمرة التي يتم خلقها للقوة الأميركية المتآكلة والإرادة الغادرة، تهيئ أيضًا الظروف لنشوء هيكل شحن بديل وآمن للصين ويمنع من لم ترضَ عنهم بكين. في النهاية، من المرجح أن يتطور هذا الهيكل بحيث لا يكون له أي صلة بالشرق الأوسط. فإذا تنافست تويوتا، على سبيل المثال، مع الصين، وأرادت الصين عرقلة الشركة، فيمكنها استخدام دورها باعتبارها ضامنًا لحركة المرور البحري العالمية، لمعاقبة تويوتا ومنعها من المرور بالتنسيق مع حلفائها مثل إيران والحوثيين.

يتطلب الهيكل الناشئ الاتفاق مع الصين، وسوف تضطر الدول والشركات إلى تحمل عواقب سياسات النظام الصيني -ليس فقط فيما يتعلق بالسياسات تجاه الحوثيين أو الشرق الأوسط على نطاق أوسع، ولكن أيضًا تجاه الصين (ومن خلال هذا أيضًا لروسيا وإيران) من أجل طموحاتها الخاصة -للحصول على شحن مناسب عبر قناة السويس. ستكون للدول أو الشركات التي تعدها الصين منافسة تكاليف باهظة مقارنة بالشركات الصينية. إن منع المرور من الطرق التي تربط مباشرة بين أوروبا إلى آسيا -والتي لا تشمل السلع فحسب، بل أيضًا المواد الخام الحيوية والمعادن النادرة -يمكن أن يضيف تكاليف باهظة على النقل البحري، مما يجعل السلع غير تنافسية.

 المواد الخام والمعادن النادرة

أدت الصين بالفعل دورًا قويًا في السيطرة على المواد الخام الأفريقية عبر مشاريع الحزام والطريق التي تسيطر على الخدمات اللوجستية وموانئ السواحل الأفريقية، ويتسابق الروس عبر منطقة الساحل إلى الشمال في أفريقيا لتعزيز شمال أفريقيا بالكامل. إن إضافة إنشاء هيكل شحن عالمي يمنح روسيا والصين ميزة أساسية يساعدهما في احتكار إمدادات المواد الخام والاستفادة من سيطرتهما المتميزة على نقلها.

 هذا الأمر أكثر إشكالية لأن الصين في ظل مبادرة الحزام والطريق، مع هيمنتها على هياكل السكك الحديدية والموانئ الأفريقية، حولت هياكل سلسلة توريد المواد الخام في أفريقيا لتصل إلى سواحلها الشرقية على طول المحيط الهندي -مما يجعل إغلاق مضيق باب المندب، والبحر الأحمر، والسويس أكثر إشكالية للمصنعين الأوروبيين.

إن هذا الهيكل الذي تشكله الصين مع إغلاق البحر الأحمر، هو في الواقع مسرحية لاستراتيجية شاملة لا ترسخ نظام شحن عالمي جديد فحسب ليحل محل حريّة البحر التي ضمنتها بريطانيا والولايات المتحدة على مدى القرون الخمسة الماضية، بل لنظام اقتصادي بديل وجديد بالكامل أكدت الصين مزاياه الهيكلية.

الخلاصة

إن نجاح الحوثيين في شل أعظم قوة بحرية في التاريخ من حماية تجارتها الحيوية عبر ممر بحري حاسم يعد إهانة وطنية مستمرة ومتفاقمة. لم تغلق إيران مضيق هرمز بعد، لكنها حققت بالفعل من خلال وكيلها انتصارًا عظيمًا في البحار على الولايات المتحدة.

 لقد فرض هذا تكلفة اقتصادية باهظة على المنطقة والعالم، وسوف يستمر في ذلك. لقد ظهرت البوادر الأولى لأنماط جديدة من التجارة وطرق النقل، وبعضها قد يكون في الواقع تطورًا اقتصاديًا إيجابيًا وقويًا للغاية، ولكن عمومًا، يظل التأثير الاقتصادي لإغلاق البحر الأحمر وقناة السويس مدمرًا للإنتاج، والإمدادات اللوجستية، والتكاليف في أوروبا وآسيا. مع أن الضرر المادي الذي يلحق بالغرب بسبب هذه التأثيرات الاقتصادية هائلًا، إلا أنه ليس الجانب الأكثر أهمية في هذه المشكلة، بل هي التداعيات الاستراتيجية والجيوسياسية.

 على المستوى الإقليمي، لقد تضررت مكانة الولايات المتحدة الإقليمية باعتبارها قوة عظمى إلى الحد الذي جعل تحالفات الدول واتفاقيات السلام مع إسرائيل تحت الضغط بسبب فشلها في الحفاظ على دورها المركزي، باعتبارها حارسًا للبحار في العالم. الواقع أن بعض اتفاقيات السلام هذه -مثل اتفاقية مصر مع إسرائيل -قد لا تصمد.

قد يتحول التنسيق مع الغرب مع تزايد النظرة إلى الولايات المتحدة ليس على أنها حصانًا قويًا، بل باعتبارها حمارًا أعرجًا. كان الفشل في كبح جماح الحوثيين سببًا في تقنين نهاية الولايات المتحدة كقوة عظمى فعّالة وجذابة لدول المنطقة.

باختصار، إن الفشل في كبح جماح الحوثيين في البحر الأحمر يمثل حجر الزاوية في بناء نظام عالمي جديد بقيادة منافستنا الصين، وهدفه تقليص سيادة الولايات المتحدة، وتقويض أمننا الاقتصادي، وإعاقة مكانتنا الجيوستراتيجية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق