الروليت
الروسية على البحر الأحمر
المصدر: War On The
Rocks | تاريخ
النشر: 24 أكتوبر 2024| لغة
المصدر: الإنجليزية|
كاتب التقرير: أري هايستاين، دانيال
راكوف | مقتطف
من التقرير
انشغال
الكرملين بالسيطرة على أوكرانيا دفعه إلى إدراك المخاطر الجيوستراتيجية وتبني نهج
أكثر استباقية في مناطق مثل البحر الأحمر. لم تكن المعضلة اليمنية في الماضي جاذبة
حتى لروسيا لكن حسابات موسكو قد تتغير. إن دفء العلاقات بين الكرملين والمتمردين
الحوثيين قد تمكن الجماعة من توسيع وتكثيف عملياتهم المزعزعة للاستقرار، وخاصة لو
انتقلت إليهم المعدات العسكرية المتطورة.
حرصت
الحكومة الروسية منذ بداية الحرب الأهلية اليمنية على تجنب المخاطر، ومع أن موسكو
اعترفت بالحكومة اليمنية الرسمية، إلا أنها حافظت على قنوات اتصال واسعة مع كل
الجهات الفاعلة اليمنية الرئيسة، ومن بينهم الحوثيون.
لكن أحداث العام الماضي دفعت موسكو إلى تغيير استراتيجيتها التحوطية نحو موقف أكثر
تأييدًا للحوثيين.
حرصت
روسيا للغاية، على مدى العقد الماضي، على عدم التحيز لأي طرف من الصراع، وتعاملت
باعتبارها قوة عظمى وسيطة، واستغلت مقعدها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة
باعتباره ورقة مساومة. كان تأثير روسيا على مسار الحرب الأهلية اليمنية محدودًا.
لم تقترح روسيا أبدًا خارطة طريق لإحلال السلام في اليمن، وفضلت الالتزام بقرار
مجلس الأمن التابع الأمم المتحدة رقم 2216، وهو قرار مؤيد للرياض ويطالب الحوثيين
بالانسحاب من الأراضي التي سيطروا عليها.
على
الرغم من تنامي النفوذ الروسي في الشرق الأوسط منذ تدخلهم في الحرب الأهلية
السورية في عام 2015، إلا أن اليمن ظلت على هامش أجندة الكرملين، واتضح ذلك من
هيمنة وزارة الخارجية الروسية (وليس الأجهزة الأمنية) على الملف اليمني.
مع
ذلك، خلف واجهة وزارة الخارجية الروسية باعتبارها جهة فاعلة مسؤولة، أدى مسؤولو
الدفاع الروس دورًا غير معلنًا إزاء الحوثيين، واعتبارًا من عام 2016، ظهر مسؤولون
عسكريون روس على مستوى العمل في المناسبات
العسكرية الرسمية للحوثيين في صنعاء، وهم محاطون بكبار ضباط المخابرات الحوثيين،
أو يتبادلون الهدايا
مع كبار المسؤولين العسكريين الحوثيين.
يشير
التنافر الواضح بين تصريحات وزارة الخارجية الروسية والأنشطة التي تجريها الأجهزة
الأمنية إلى اتجاه أوسع حيث تعمل الوزارة على توفير
الغطاء الدبلوماسي للأنشطة التخريبية التي تنفذها الأجهزة الأمنية.
كما
حاولت روسيا الاستفادة بطاقم من خبراء في الشأن اليمني في الحقبة السوفيتية، مثل
فيتالي نومكين، مقابل اليمنيين الذين كانت لديهم تجربة إيجابية مع الاتحاد
السوفيتي. مع ذلك، فمن المشكوك فيه ما إذا كان هذا قد وفر للكرملين أي ميزة ملحوظة
في اليمن. يشير جيل الشباب الروسي من الخبراء في الشأن اليمني، مثل ليونيد إيسايف،
وكذلك نظرائهم
الخليجيين واليمنيين، إلى قيود موسكو في اليمن بسبب اهتمامها الضئيل والتزامها
القوي تجاه السعودية والإمارات.
كان
موقف موسكو المحايد كوسيط طموح في اليمن منطقيًا حتى تغير السياق الاستراتيجي.
دفعت علاقات روسيا المتدهورة مع الغرب بعد غزوها الشامل لأوكرانيا عام 2022، للبحث
عن شركاء جدد لأجندتها المناهضة لأمريكا. لقد وجدت إيران، ونظر
الكرملين إليها نظرة إعجاب لتحديها للمطالب الغربية على الرغم من العقوبات الهائلة
المفروضة عليها للقيام بذلك. كما تنظر موسكو إلى الوكلاء الإقليميين في طهران، ومن
بينهم الحوثيون، على نحو متزايد على أنهم شركاء محتملون
لتحالف عالمي مناهض للغرب، وتحظى هجماتهم الإرهابية بترحيب أبواق الدعاية الروسية.
حقيقة
أن الحوثيين يمثلون تحديًا مزعجًا يقوض الاقتصادات الغربية، ويستنزف مواردهم
العسكرية (وخاصة الدفاع الصاروخي)، ويضر بهيبتهم، ويتسبب في معضلات سياسية لقادتهم
هو ما جعلهم شريكًا جذابًا لروسيا. يتضح التغيير في نهج روسيا تجاه الجغرافيا
السياسية العالمية من التباين الصارخ في رد فعل موسكو على الاضطراب الحالي للملاحة
في البحر الأحمر، مقارنةً بردة فعلها على الهجوم الإيراني عام 2019، على ناقلات
الإمارات في خليج عمان. حيث كانت
لروسيا في عام 2019، مصلحة مباشرة في استقرار الشحن الدولي، وأدانت
الهجمات، ولكن حاليًا، بعد أن فرضت على روسيا عقوبات شديدة، وأجبرت على الانخراط
في اقتصاد الظل، فإن الكرملين مسرور للغاية برؤية اضطراب في التجارة العالمية التي
تؤثر سلبًا على الولايات المتحدة وحلفائها.
كما
حدد الكرملين الصعوبات التي يواجهها الغرب في مواجهة العدوان الحوثي، بأنها مجال
محتمل للتصعيد الأفقي مع الولايات المتحدة. في 5 يونيو، حذر بوتين الولايات
المتحدة وشركائها في الناتو من أنهم لو سمحوا لأوكرانيا بضرب الأراضي الروسية
بالصواريخ الدقيقة بعيدة المدى التي يزودونهم بها، سوف تفكر روسيا في بيع فئة
مماثلة من الأسلحة إلى خصوم الولايات المتحدة في مناطق أخرى. جرى
النظر إلى الحوثيين على أنهم أحد المتلقين المحتملين للأسلحة الروسية التي ألمح
إليها بوتين.
كيف
تتطور علاقة روسيا بالحوثيين؟
حتى
الآن، ثمة 4 اتجاهات رئيسة للدعم الروسي:
أولًا،
في المجال الدبلوماسي، تستضيف روسيا وفود
الحوثيين بوتيرة متنامية لتعزيز الجماعة "الإرهابية" اليمنية المعزولة
بمزيد من الشرعية الدولية. كما تتخذ روسيا في الأمم المتحدة خطوات لمعارضة القرارات
المناهضة للحوثيين، ولم تتخذ موسكو بعد خطوات لحل لجنة خبراء الأمم المتحدة بشأن
اليمن، التي تنتقد بشدة الحوثيين وإيران.
ثانيًا،
عندما يتعلق الأمر بالدعم الاستخباراتي والاستشاري، ثمة مزاعم تفيد بأن روسيا تقدم
معلومات وتعليمات حول الاستهداف لدعم حملة الحوثيين في البحر الأحمر، ويُزعم أن
مستشاري الكرملين في صنعاء تسللوا إلى اليمن تحت ذريعة عمال الإغاثة الإنسانية.
هدف موسكو هو استغلال هجمات الحوثيين البحرية التي تستهدف السفن التجارية
والعسكرية الغربية للانتقام من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لدعمهم
الاستخباراتي لأوكرانيا في البحر الأسود.
ثالثًا،
قد تزيد موسكو من تدفق معداتها العسكرية إلى الحوثيين. حتى الآن، ثمة معلومات
قليلة بشأن وصول أسلحة روسية إلى الحوثيين. أفاد فريق خبراء الأمم المتحدة عن
استخدام الحوثيين أعدادًا محدودة من الأسلحة
الصغيرة، والصواريخ
الموجهة المضادة للدبابات روسية الصنع، ولا يوجد ما يشير إلى أن هذه الأسلحة قد
استلمها الحوثيون مباشرة من روسيا بدلًا من شرائها، أو نقلها من أطراف ثالثة مثل
إيران أو سوريا. لكن في الأشهر الأخيرة، انتشرت تقارير حول صفقات أسلحة وشيكة سوف
توفر فيها موسكو المعدات العسكرية مباشرة للمتمردين اليمنيين. على سبيل المثال، من
المتوقع تسليم شحنة من الأسلحة الصغيرة الروسية (AK-74s)، بقيمة 10
ملايين دولار، إلى الحوثيين في مطلع من أكتوبر 2024. وذكرت رويترز
أيضًا أن إيران توسطت في محادثات بين الكرملين وصنعاء ناقش فيها الطرفان إمكانية
نقل صواريخ ياخونت
(SS-N-26) المتقدمة المضادة للسفن إلى الحوثيين.
رابعًا،
بعد نشر مقطع فيديو
يطالب فيه يمنيون بالعودة إلى اليمن، فقد اتضح أن الجماعات التابعة للحوثيين أرسلت
يمنيين للقتال لصالح
روسيا في أوكرانيا، وقد يسرت هذا الإجراء شركة الجابري للتجارة العامة وشركة
الاستثمار SPC، المملوكة لعبد الولي الجابري، وكلاهما يقع
مقرهما خارج عمان. وكان الجابري عضوًا في برلمان الحكومة اليمنية حتى انشقاقه
وانضمامه إلى الحوثيين عام 2011، ومنحه المتمردون رتبة لواء. منذ ذلك الحين، يبدو أنه طور
علاقات مع كبار قادة المخابرات والسياسيين الحوثيين، حتى أنه أصيب وهو يقاتل لصالح الجماعة. من المرجح أن يوفر إرسال
اليمنيين إلى جانب القوات الروسية لصنعاء سيولة نقدية هم في أمس الحاجة إليها،
ويمكّن اليمنيين الذين يعيشون في ظل حكم الحوثي من التعلم من الجيش الروسي المحترف
نسبيًا، وقد يحظى الحوثيون بمكانة رفيعة في موسكو.
تقدم
الكلمات والأفعال مؤشرات متسقة على أن العلاقة الروسية الحوثية في تقدم، ويمكن أن
تتضمن في المستقبل دعمًا أنجع لحملة الحوثيين لبث الفوضى في المنطقة. قد يشكل هذا
نقلة نوعية في قدرات الحوثيين في حالة قيام روسيا بتزويد الجماعة بصواريخ
أسرع من الصوت مضادة للسفن، أو دفاع جوي متطور، أو خبرة صناعية عسكرية متطورة
لإنتاج الأسلحة المحلية. يمكن لهذه القدرات أن تجعل سلاسل الإمداد العسكرية
للحوثيين زائدة عن الحاجة ومرنة، وتفاقم من خطورة قدراتهم العسكرية، وتصبح صناعة
القرار لديهم أكثر تحديًا وأقل عرضة للضغوط الخارجية.
التعقيدات
على
الرغم من تحذيرات احتمالية شحن أسلحة روسية هائلة إلى الحوثيين منذ يونيو 2024، لم
يبرم الطرفان حتى الآن سوى صفقة
واحدة للأسلحة الصغيرة (وفقًا لما نعلمه)؛ وهذا قد يشير إلى تردد الروس بسبب تضارب
المصالح. وحتى على افتراض أن الكرملين يريد دعم الحوثيين قدر الاستطاعة، فإن موسكو
تعمل في ظل قيود كبيرة.
في
المجال الجيوسياسي، سينظر جيران الحوثيين في الخليج إلى تزويد روسيا
للحوثيين بأسلحة متطورة على أنه عمل
متهور وعدائي. بمعنى آخر، ستبني موسكو علاقاتها مع الطرف الفقير في صنعاء على حساب
العلاقات القائمة مع دول مستقرة ومزدهرة مثل السعودية والإمارات. تعد السعودية،
التي تطلق أحيانًا تهديدات ضمنية
بوقف التعاون مع موسكو في القضايا المتعلقة بالطاقة، أحد العناصر
المهمة في عملية صنع القرار الروسي عند النظر في توريد أسلحة مهمة إلى الحوثيين.
مع
ذلك، إذا أدرك الكرملين أن الاضطراب الذي يسببه الحوثيون في البحر الأحمر يوفر له
متنفسًا في أوكرانيا، فمن المتصور أن تجد روسيا سبلًا خلاقة لمساعدة الجماعة مع
التقليل من ردود الفعل الدبلوماسية المحتملة من الخليج، وقد يأخذ ذلك شكل مساعدة
غير مباشرة يمكن إنكارها، مثل تزويد روسيا لإيران بأسلحة تتسرب في نهاية المطاف
إلى اليمن، أو من خلال عكس
تكتيك الولايات المتحدة ونقل الأسلحة التي استولوا عليها في أوكرانيا إلى
الحوثيين.
على
المستوى العملياتي البحت، تكافح موسكو لتلبية احتياجاتها الصناعية العسكرية في
أوكرانيا، ولذا، فإن تزويد الحوثيين بقدرات متقدمة سيتطلب منها إعطاء الأولوية
لاحتياجات الجماعة "الإرهابية" اليمنية على حساب جيشها.
حتى
الآن، اضطرت روسيا في حربها على أوكرانيا إلى استيراد الإمدادات العسكرية الأساسية
من موردين لا يستوفون المعايير المطلوبة مثل كوريا
الشمالية، ولذلك لا يبدو أنها في وضع يسمح لها بتصدير أسلحة
متقدمة إلى عملاء بعيدين قد لا يستطيعون حتى دفع ثمنها، ومع ذلك، إذا تبين أن دعم
المجموعة ضرورة سياسية، فقد تتبرع روسيا ببعض أنظمتها القديمة في سبيل "قضية
نبيلة"، ومن المتوقع ألا تكون لهذه أسلحة قيمة كبيرة في ساحة المعركة في
أوكرانيا، ولذلك، فإن العقبات الرئيسية أمام هذا التعاون تبدو سياسية وليست
عملياتية.
من
وجهة نظر صنعاء، فإن الحوثيين مهتمون
باحتمال التعاون مع روسيا والمكاسب التي قد تجنيها الجماعة في المجال العسكري
والدبلوماسي. وحتى الآن، تعتمد الجماعة بالكامل إلى حد كبير على المحور الذي تقوده
إيران للحصول على أسلحتها والاعتراف الدولي.
إن
تنويع مصادر الدعم العسكري والسياسي قد يجعل الحوثيين أكثر استقلالية، وربما أكثر
مرونة. ومع تعرض المحور لأزمة بعد النكسات
العديدة في حربه على إسرائيل، ومن بينها اغتيال شخصيات رئيسية في حزب الله، وحماس،
وإيران في المحور، فإن المبادرات الروسية جاءت في الوقت المناسب.
علاقة
الكرملين بمنظمة شيعية متطرفة صنفها
مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد تبدو غير عادية في بعض النواحي. لكن روسيا
تتسم بالبراغماتية والمرونة الشديدة في تعريفها للإرهاب: فقد شطبت
حديثًا حركة طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية، وحافظت منذ العصر السوفييتي على علاقات قوية مع المنظمات
المسلحة المتطرفة. الرؤية المشتركة للمستقبل، وفيها تضاؤل نفوذ الولايات المتحدة
يوفر للروس والحوثيين أساسًا كافيًا للتعاون.
تؤيد
روسيا الحوثيين في الحرب الأهلية اليمنية، لكن العلاقة تشوبها قيود تتعلق
بالأولوية الروسية. بالإضافة إلى الاعتبارات الجيوسياسية طويلة الأمد، من المرجح
أن تأخذ موسكو النجاحات الإسرائيلية الأخيرة وإخفاقات المحور في الاعتبار، عند
النظر في مدى وكيفية ربط مصيرها بطهران. لا شك أن العلاقات الروسية الحوثية تتقدم،
لكن يبدو حتى الآن أن روسيا تحركها بوتيرة بطيئة.