ترجمة | أحمد الديب
نشر “حي إيتان كوهين” الخبير في السياسة التركية المعاصرة والسياسة الخارجية مقالًا في معهد القدس للاستراتيجية والأمن حول التطلعات التركية للقيام بعمليات عسكرية في اليمن.
تبنى الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” منذ أن دشن عملية “درع الفرات” عام 2016 ضد تنظيم الدولة الإسلامية وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي شمال سوريا، سياسة خارجية عدوانية تتدخل في شؤون الدول، ولا تتردد في القيام بعمليات عسكرية.
أطلقت “أنقرة” أول عملياتها خارج حدودها في دول الجوار، العراق وسوريا. كما أمر “أردوغان” الجيش التركي بالبقاء في المناطق التي سيطر عليها. لقد اختارت تركيا بناء منطقة أمنية خلف حدودها كي تمنع خصومها من العمل داخلها، وبعبارة أخرى، تبنت تركيا عقيدة الاحتلال العسكري طويل الأمد؛ لتعزيز موقفها في المناطق المحتلة حديثًا، وبدأت في الاستثمار بالبنية التحتية من خلال تعبيد الطرق الجديدة وبناء المستشفيات ومكاتب البريد وتوفير الأدوات الخاصة بالمدارس ومعدات قوات الأمن.
كما بدأت في استغلال موارد تلك الأراضي، وجلبت خلال أحلك فترات الأزمة الاقتصادية في 2018 “بطاطس” من شمال سوريا؛ لخفض سعر البطاطس في أسواقها المحلية.
وبعد ترسيخ وجودها في شمال سوريا العام الماضي، وسعت نطاق تدخلها العسكري خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومغامرتها الناجحة في ليبيا تعد جزءًا من شبكة نشاطاتها المستحدثة.
افتتحت تركيا منذ عام 2017 قواعد عسكرية في الصومال وقطر، وحاولت إنشاء قاعدة بحرية في جزيرة “سواكن” السودانية، وهذا يدل على أنها تعتزم التدخل في مناطق أخرى أيضًا. ومن المرجح أن تكون اليمن مسرحًا قادمًا للتدخل التركي بسبب موقعها الاستراتيجي.
أعلنت تركيا – نظرًا لأنها دولة ذات أغلبية “سنية” – العداء للحوثيين “الشيعة” في مارس 2015، وأدان “أردوغان” سيطرة المليشيات الحوثية وتقدمها في اليمن، وألقى باللوم على إيران لسعيها السيطرة الإقليمية على منطقة الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من حقيقة توافق كلًا من تركيا والسعودية والإمارات -على ما يبدو -في نفس الرؤية لليمن، إلا أن تلك الدول فشلت في الاتحاد تحت مظلة واحدة.
يرجع ذلك إلى التنافس المستمر بين تركيا والسعودية على زعامة العالم السني، وبلغ الخلاف بين الدولتين ذروته عام 2018 عندما قُتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” في القنصلية السعودية بإسطنبول، ومنذ ذلك الحين تشهد العلاقات التركية السعودية توترًا علنيًا.
كانت تركيا قبل مقتل “خاشقجي” تتمتع بعلاقات جيدة مع حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المدعومة من السعودية، وزار “هادي” – منذ اعتلائه السلطة في 2012 وحتى مقتل “خاشقجي” – تركيا، أربع مرات. وبناءً على تدهور العلاقات التركية السعودية؛ توترت العلاقة بين أنقرة وحكومة “هادي”.
لكن سحب الإمارات دعمها العسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي في جنوب اليمن، أتاح فرصة للتدخل التركي في اليمن، ومنتصف سبتمبر 2019 أشار “أردوغان” إلى رغبته بالتدخل في الحرب الأهلية اليمنية. وعلى الرغم من حديثه الغامض، لم يحدد أردوغان ما إذا كان سيتدخل عسكريًا أو من خلال القوة الناعمة، كما وجه انتقادًا للسعودية والإمارات في فشلهما بهزيمة الحوثيين وتحويلهما الحرب الأهلية في اليمن إلى مأساة إنسانية.
اعتبرت الصحافة التركية الخاضعة لأردوغان، تصريحه بشأن اليمن مؤشرًا على تدخل عسكري جديد، وفي الواقع، بدأت في تهيئة الجمهور لمغامرة جديدة خارج حدودها، كما أتاحت مساحة للخبراء اليمنيين وقادة المنظمات غير الحكومية للتعبير عن أفكارهم حول الحرب المستمرة في اليمن، والدور المحتمل لتركيا في هذا الصراع.
مثلًا: قال “محمد الحميقاني” رئيس الجمعية التركية اليمنية، خلال نقاش، إن اليمنيين يتوقعون من شريك حقيقي وحليف مثل تركيا أن يخطو خطوة نحو الحرب في اليمن، مشيدًا بالوجود التركي في الصومال، وتمنى أن يرى نفس النوع من المساهمة في اليمن أيضًا.
وبحسب ما يُشاع، فإن تركيا أرسلت “صالح الجبواني” وزير النقل اليمني السابق إلى محافظتي أبين وشبوة لتجنيد مقاتلين بتمويل قطري، وبالفعل جنّد 600 مقاتل في معسكر بمدينة عتق، مركز محافظة شبوة، ويدفع لهم أجورًا ثابتة شهرية.
كما ورد -علاوة على ذلك -أن “الجبواني” اشترى أسلحة من السوق السوداء مثل: سيارات الدفع الرباعي. (تركيا لم تشحن أسلحة إلى اليمن بعد). كما أقام علاقات مع القيادي في حزب الإصلاح “حمود المخلافي” الذي جنّد أيضًا مقاتلين ضد الحوثيين في تعز.
وبحسب نفس التقرير، فإن “الجبواني والمخلافي” يدفعان بمقاتلين لـ”أحمد الميسري” وزير داخلية حكومة “هادي”. وبذلك، تسعى تركيا وقطر معًا لزيادة نفوذهما في حكومة “هادي” على حساب الحكومة السعودية.
وكما في ليبيا، تتخذ تركيا نفس النهج في تجنيد مرتزقة في سوريا لخوض حربها الجديدة في اليمن. وتلعب شركة “SADAT” التركية دور في تجنيدهم، كما تبني أنقرة علاقات مع حزب الإصلاح في اليمن.
من الواضح أن تركيا تسعى إلى اختراق اليمن واستغلال موارده الطبيعية، فضلًا عن تأمين موطئ قدم لها في البحر الأحمر، فمن خلال امتلاك قاعدة بحرية في اليمن، ستصبح تركيا فاعلًا رئيسيًا في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيث تعبر الكثير من ناقلات النفط الخليجية إلى السوق العالمية.
وعلاوة على ذلك، سيكون هذا بمثابة نفوذ ضد مصر. وقد يدفع مثل هذا الدعم التركي النشط للإخوان المسلمين في اليمن بعودة الإمارات إلى اليمن، وربما يدفع مصر إلى أن تصبح محاربًا نشطًا في اليمن لاحتواء تركيا.
القوة الناعمة التركية:
تلعب المنظمات الحكومية وغير الحكومية مثل: منظمة الإغاثة التركية (التي تعتبرها إسرائيل منظمة إرهابية)، والوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)، والهلال الأحمر التركي، ومديرية الشؤون التركية (ديانت)، دورًا نشطًا في تقديم الخدمات الإنسانية لليمنيين، حيث أرسلت تلك المنظمات سلال غذائية للأسر المحتاجة في مناطق شبوة، وحضرموت، ومأرب، وعدن، وتعز.
وفي الواقع، لدى الأتراك خطط طويلة الأمد في اليمن، إذ زار نائب وزير الداخلية التركي “إسماعيل تشاتقلي” في شهر يناير العاصمة المؤقتة “عدن“، وأصدر -وفقًا لتعليمات أردوغان -تقريرًا شاملًا عن احتياجات اليمنيين.
لكن من غير المرجّح أن يحظى التدخل العسكري التركي في اليمن بدعم شعبي واسع النطاق، ففي حين برر “أردوغان” وجود تركيا في العراق وسوريا وليبيا بأنه حماية لمصالح الأمن القومي لبلاده، فإن التدخل التركي باليمن يشكل صعوبة.
ومن المحتمل أن يستخدم أردوغان مرتزقة في اليمن بدلًا عن قواته المسلحة، وسيكون حريًا عليه افتتاح قاعدة عسكرية جديدة في اليمن لتحدي مصر والسعودية والإمارات، وهذا سيروق للشعب التركي باعتبار ذلك رمزًا لتركيا القوية.
الدكتور “حي إيتان كوهين” خبير في السياسة التركية المعاصرة والسياسة الخارجية. والعلاقات الإسرائيلية التركية والكردية. ويعمل محررًا لمجلة Turkeyscope وهي من إصدارات مركز موشيه ديان للدراسات الأفريقية والشرق أوسطية في جامعة تل أبيب.
أحمد الديب، حاصل على ماجيستير في اللغة العبرية وآدابها.
التقرير منشور في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية